الفصل التاسع عشر:«تائهٌ رغم وضوح الطريق».

114 9 31
                                    

_ قراءة مُمتعة يا رِفاق:')

٭٭٭

الأمل مرهونٌ بالألم، فما تسعىٰ لأجله دومًا، مؤملًا بأنك ستقبض عليه بين يديك؛ ليس رهن يديك بعد، فلا يزيدك الأمل إلاّ ألمًا كلما نقص عمرك، ولم تمسك حلمك بين يديك!
فتظل توهم نفسك دومًا بأنه لا ضير من الحلم، من التحليق عاليًا حيث السماء العالية، فوق السحب القطنية حيث الأمل الوردي، فينتهي بك الحال ميتٌ، وينعوك الناس بأنك متّ من شدة أملك!

لا تدع الأحلام تلهيكَ عن الواقع الممتزج باليأس، ونطفةٌ من أمل، كن واقعيًا بدرجةٍ سوية، فلا أنت بين براثن السواد تلتهمك، ولا الورود الكاذبة يغرنّك زهوها.

٭٭٭٭٭

اتسع بؤبؤا عينيه بصدمة حقيقية من وقاحة حديثها، هذه الصغيرة الوقحة وكأنها تقصد ما تقوله!
وقبل أن يتحول عليها وقد أدركت بأنهما سيبدءا في سجالٍ لن ينتهي الآن، وربما يتطاولا بأيديهما كما طبيعة مزاحهما، ولكن للأسف والدهما ليس هنا ولن يستطيع فك شجارهما عن بعضهما، ولكن من حسن حظها حيث هي الطرف الأقل قوة هنا، أن دوى رنين جرس الباب.. معلنًا عن وصول زائر لهما كما اعتادا من يومان.

توقفا عن التراشق بالألسن، وقطبا معًا عن هوية الزائر الآن، لتتحرك هي نحو الخارج حتىٰ ترى من القادم، وبعد أن ارتدت رداء الصلاة الخاص بها، ثم فتحت الباب دون أن تدرك ماذا ستفعل بهوية الطارق حين تراه، فقد كان أخر شخص توقعت أن تراه أمام باب المنزل، في هذا الوقت، في ضعف شقيقها، وعدم وجود والدها، في وقوفها بمفردها أمامه دون أن يرف لها جفن، وداخلها كله يرتعد، وزاد ارتجاف جسدها، ويدها الممسكة بالباب ترتعش ترقبًا للآتي، الذي لن يسر أبدًا، مع سماع صوته يهتف:
_ اممم لم أتوقع الجميلة بذاتها ستفتح لي الباب.. هذا أجمل يوم في حياتي علىٰ هذا!

هل وصل به التبجح لدرجة أن يأتي حتىٰ عقر دارهم! لزجًا في حديثه ونظراته السمجة والقذرة مثله؟!
لا تعرف إلى الآن بعد كل ما حدث في الأيام الماضية، كيف أنها كانت تأتمنه وتعمل معه؟ بل ورأت فيه شخص قد يصلح ولو لشيءٍ خيّر ولو بسيط! كانت تشعر أن فيه بذرة صغيرة من الطيبة قد تنمو فتحيل كل هذا السواد الذي كان يحفه، ويغمر نفسه فيه، ولكنها بعد ما رأته وشهدته منه، عرفت كم هي ساذجة، مازالت لا تستطيع سبر أغوار من أمامها وقراءة شخصيته، عندما رفضوا جميعًا عملها معه، أخبرتهم أنه لن يؤذيها، وأنها لا دخل لها به، فهي لم ترى منه الجانب الذي كان يرهب الناس ويخشونه بسببه، بل رأت جانبًا حياديًا لا ملامح له... أما الآن فقد بانت كل الملامح، وطغت قذارته وشرور نفسه حتىٰ باتت تشمئز من مرآه، وحتى من سماع اسمه وأي شيء يخصه، هو المتسبب فيما آلت له حال شقيقها، فأبدًا لن يكون بينها وبينه عمارٌ ولو لثانية واحدة.

الــمَـنبُــوذ. Where stories live. Discover now