رصاصَة عِطريّة

17K 1.6K 2.3K
                                    

𓆩𔓘𓆪

حَشوتُ أفكارِي المُدنّسة فِي جوفِ زجاجَة لأتخلّص منهَا، لكِن لَا الزُّجاجة تتَّسع لتضُّخم أفكارِي ولَا البَحر قادِر علَى جرفِها بعيدًا عَن شاطِئ تماسكِي.
إنّما تكسّرَت وتحوَّلت إلَى أشلَاء، لتتحرّر وساوسِي فيتلطّخ لجّة البَحر، ثمّ يغدُو حِبرًا أسوَد يعكِس قذارةَ النِّفط وليسَ صفَاء السّماء.

عندمَا يكونُ المَرء كزجاجَة فإنّه سيطفُو علَى السّطح، ولكِن بمجردِ أن يتشقّق وتتداخلهُ المِياه فإنّه سيمتلِئ و يمتلِئ حتّى ينفجِر وتتناثَر قطَعه هنَا وهنَاك، وتلكَ الأجزَاء لَن تطفُو كَسيرتهَا الأولَى إنّما ستغرقُ فِي القَاع.

أشعُر أننِي كتلكَ الزّجاجة تمامًا..
مَا عدتُ قادِرة علَى إبصارِ الشّمس، إنّما بِتُّ قطعًا كثيرَة ضائعَة عَن بعضِي فِي الأسفَل حيثُ الظّلام الدّامس و التّيارات الباردَة.

كَيف لِي أن أجدَ أجزائِي وأعاودَ جمعهَا لألصقهَا فأصعدُ للسّطح حتّى أنجرفَ للشّاطئ..

ربمَا لَا مفرّ مِن الغرَق حتّى لَو كنّا علَى اليابِسة، لَا أحدَ يُجيد السِّباحة عندمَا يتعلّق الأمر بالنّجاة مِن نفسِه، ولَا مِرساة تُثبِّتنا أو شِراع يُوجِّهنا.
لهذَا السّبب، الغرقُ فِي البَحر أخَف وطئًا بالنِّسبة لِي مِن أن أستمرّ بالغرقِ داخِل نفسِي التِي تريدُ هلاكِي.

متَى سأصِل للقَاع كَي أرتَاح..

"مَا بكِ تقفِين عندَ البَاب؟ أهِي لَا ترُد؟"

"كلّا.. ولكننِي أخشَى أن أزعِجها وهِي ترغَب بالإنزواءِ مَع نفسهَا فِي الوقتِ الحالِي، رغمَ أنّني سأحِب لَو تتناوَل الطّعام وهُو ساخِن"

"هِي لَن تردَّك يَا نيكُول، فقَط ضعِي الصِّينية علَى منضدتهَا وامنحيهَا الوَقت حتّى تقومَ رائحَة الطّعام بإغراءهَا"

"بَل سأتحدّث معهَا. وإيّاك يَا هارُولد أن تفكِّر بأخذِ لقمَة مِن القِدر لأننِي أعدَدت هذَا الطّعام لهَا خصيصًا"

"أساسًا كنتُ ذاهبًا لأنّ أحدَ أصدقائِي الذِي يتمتّع بالإنسانِية وطراوةِ القَلب علَى عكسِ أحدِهم قَد دعانِي علَى الغدَاء. ربمَا لَو جلبتُ بعضَ الحلوَى قبلَ عودتِي سيُفرح أورورَا ويُخرجها مِن قوقعتهَا"

"أخيرًا عادَ عقلكَ للعمَل، وربمَا لَو رغِبت ألّا تعودَ للمنزِل حتّى الغَد فسيكونُ خيرًا أيضًا"

"محقّة، لأننِي سأرِيح عينَاي وأذنَاي مِن رؤيتكِ وسماعِ صوتِك"
صوتُ شجارهمَا الإعتيادِي قَد بدَّد الضّباب الحالِك الذِي كانَ يُحيطني، لأبصِر أرجَاء الغرفَة التِي سكنتُها لثلاثةِ أيّام واليَوم هُو الرّابع.

أو ربمَا الخامِس، لَا أدرِي..
وليسَ لدَي الرّغبة لمعرفةِ مَا يجرِي مِن حولِي، إنّما البقَاء مُستلقية علَى السّرير بأطرافِي المُرتخية، أطالِع الفرَاغ بعينَانِ خائرتَان ولَا طاقةَ لِي لأحرِّك أهدابَ جفنَاي.

أتاراكسياWhere stories live. Discover now