الفصل الثالث والعشرون

31.9K 755 33
                                    

الفصــل الثالث والعشرون
فريسـة للمـاضـــي
ـــــــــــــــــــــ

قامت بنفسها بجمع ملابسه في تلك الحقيبة ، انتهت نور تقريبًا من وضع ما يخصه متعمدة بُعْده عنها ، ارادت إختباره في تلك المسألة التي تستولي علي كامل تفكيرها رغم إدراكها بمدي الحب الذي يمنحه لها ، فأضطرت مُجبرة لذلك مُرغمة نفسها في البُعْد عنه ، وتمنت من قلبها أن يعارض بأفعاله تلك الظنون التي تجتاح رأسها وتشغل فكرها ، اوصدتها نور وقامت بوضعها علي الأرضية لكي يأخذها معه ، جلست علي طرف الفراش تتنفس بهدوء لتتهيأ لمفاتحته في الأمر ، وتدعو ان يتم تنفيذ ما انتوت له ويخوض ذلك الإختبار الدَامِغ لعلاقتها معه ، نظرت نور أمامها وهتفت بتمني :
- يا تري يا زين لو بعدت عنك هتبص لغيري ولا هترجعلي وتبقي ليا لوحدي .
قالت جملتها وأخرجت تلك التنهيدة العميقة لتخرج أوجاعها الجاثية علي صدرها ، نهضت من مكانها وتفاجئت بدخوله عليها ، تقدم زين منها وهو يتأمل هيئتها المتصلبة والغير مفهومة ، دنا اكثر منها وتشدق قائلاً :
- ايه يا نور ، انتي .....
بتر جملته عندما لاحظ تلك الحقيبة المسنودة بجانب الفراش ، تطلع عليها بعدم فهم ، ثم وجه بصره لنور محاولاً كشف مايدور عقلها ، وقفت نور امامه راسمه للتعابير الجادة التي تعجب منها ، فقد بادر هو باكمال حديثه مستفسرًا وهو يشير علي الحقيبة :
- أيه يا نور الشنطة دي ، انتي رايحة في مكان .
- بتاعتك ! .
قالتها نور باقتضاب وهي تتطلع عليه بالجدية الزائفة علي تقاسيمها ، وعن زين ظلت انظاره متجمدة عليها غير مستوعبًا ما تفوهت به ،لم يضع في مخيلته وصول الأمر لذلك الوضع برغبتها في ابتعاده ، وبقيت نور كما هي بملامحها الجادة بعكس الذبذبات التي تتخلل داخل اعصابها ، نكس زين رأسه وضم شفتيه مبديًا حيرته في أمرها ، رفع بصره نحوها وسأل بايجاز :
- ليه ؟ .
ردت بجمود زائف :
- خدها وأمشي ، روح العوامة اقعد هناك ، انا مش عايزة نبقي مع بعض اليومين دول .
نظر لها باستغراب وهو يقترب منها ، قال بضيق :
- يعني ايه مش عايزه نبقي مع بعض ، وكل دا علشان ايه ، انا عملت ايه يضايقك مني ، طول عمري بعملك اللي انتي عوزاه ، اثبتلك حبي بأيه اكتر من كدة ، انا عمري ما زعلتك او قولتلك لأ في اي حاجة .
كان صوته يعلو تدريجيًا معلنًا عصبيته من تفكيرها الجهول حول علاقتهم سويًا ؛ وانفعلت هي الأخري رغم توترها الداخلي وقالت بامتعاض :
- خدها وامشي ، انا عايزة نبعد عن بعض شوية ، انا متضايقه وحس بيا ، وياريت تخرج من الفيلا كلها .
جاهد زين في التحكم في عصبيته لعدم احتدام المشادة الكلامية بينهم ، ثم اقترب من تلك الحقيبة ورفعها بيده عن الأرضية وتوجه للخارج مسرعًا بدون كلمة أخري ، تعقبته هي ببصرها وأبدت تعاطفها معه ، وهداها تفكيرها للركض خلفه ومنعه من تركها ، وتحكمت بصعوبة في ذلك والزمت نفسها باكمال ما بدأته لإزالة الشكوك المكنونة بداخلها.........
_______________________

وقفت نهلة مصدومة من وجود ميرا وكشفها لرغبتها في اقامة علاقة سرية مع زوجها ، ابتلعت ريقها متوجسة من ردة فعلها نحوها ، التفتت لوليد وجدته هادئ ، ولم يبدي خوفه او انصدامه من وجودها ، حاولت فهم ما يدور حولها خاصةً نظرات ميرا المسلطة بغضب نحوها فقط ، زادت حيرتها وهي تتجول ببصرها عليهم ، اقتربت ميرا منها بخطوات متباطئة مريبة البكتها ، ولوت ثغرها بابتسامة لا تعرف نهلة ماهيتها حتي الآن ولكنها أججت اضطرابها الداخلي ، وصلت ميرا امامها وهتفت مستهزئة :
- كل سؤال بيدور في راسك هجاوبك عليه ، ثم اقتربت من وليد وما زالت انظارها واقعه عليها كالسهام التي تخترق جسدها ، وضعت ميرا يدها علي كتف زوجها واكملت بنبرة ذات مغزي :
- انتي مفكره ان جوزي ممكن يخوني ، تبقي بتحلمي ، وليد هو بنفسه اللي قالي علي اللي انتي عوزاه منه ، تابعت زاممة شفتيها بحزن زائف :
- وقالي انه ضعف قدامك ، بس انا مش هلومه لأني قصرت معاه ، ثم حدجتها بنظرات نارية وتابعت بانزعاج :
- بس انا قصرت معاكي في ايه علشان تبصي لجوزي ، دا جزاتي اني دخلتك بيتي وعملتك صحبتي وامنتك علي كل حاجة ، حتي ابني كنت بسيبه معاكي ، وكل شوية تيجي عندي وانا كنت غبية وصدقت انك بتحبيني ، وانتي كنتي بتفكري ازاي تقربي من جوزي ، صمتت ميرا تلتقط أنفاسها وما زالت ترمقها باستهجان بائن قبل ان تتابع ساخرة منها :
- بس جوزي مبيخبيش عني حاجة ، وهو بنفسه اللي قالي علي علاقتكم وتسجيلك معاه.....
فـــلاش باگــ ......
توغلت بأصابع يدها في شعره ويعلو ثغرها ابتسامة هادئة ، نظر لها وليد مبتسمًا بصعوبة ، دنت ميرا منه مندهشه من صمته وحدثته متسائلة :
- ايه يا وليد ، اول مرة أشوفك ساكت كدة ، فيه ايه يا حبيبي .
ابتلع وليد ريقه وأخذ نفسًا طويلاً قبل ان يجيبها بعدما تواعد امام نفسه أولاً باخبارها :
- ميرا انا كنت عايز أقولك علي حاجة بس مش عايزك تزعلي مني ، نظر لها وتابع بتمني :
- وعايزك تفهمني كويس ، وتحسي بيا ، وقبل كل دا عايزك تعرفي اني بحبك قوي .
بدا من ملامحها انها تنصت إليه جيدًا وترقبت حواسها للإنصات الكلي لما سيقوله ، فأكمل وليد بحذر متهاديًا في اعلان ما فعله حتي لا تفهمه بطريقة أخري :
- انا عملت حاجه وعايزك تسامحيني عليها ، انا عمري ما فكرت أخونك بعد ما بقينا مع بعض ، صمت قليلاً حين وجد صعوبة في اعلامها بالأمر ، بينما نظرت له ميرا محاولة الثبات رغم خوفها الداخلي من تلك الكلمة التي هتف بها "خيانة" ، وتوجست من فعله لها ، أحس وليد بها ولذلك استطرد موضحًا بجدية :
- انا مخنتكيش يا ميرا ، بُعْدك عني خلاني ضعيف قوي ، ولازم تعرفي اني غلط وعايزك تسامحيني ، ولازم تاخدي بالك من نهلة كويس ، لانها مش أمينة يا ميرا .
حدقت فيه بصدمة وقالت :
- نهلة !..
اومأ برأسه ورد بمعني :
- نهلة حاولت تقرب مني ، وانا ضعفت قدامها علشان اهمالك ليا وصلني اني اطاوعها ، لاني كنت حاسس انك بعيدة عني ، وانا راجل يا ميرا ، ومراتي بعيدة عني .
ضمت شفتيها متفهمة لحديثه ، فكما أخبرتها والدتها من قبل حدث بالفعل ، واضحت مُلامه علي ذلك ، ولكن ما اراحها اعتراف زوجها الصريح لها ، لذلك قالت بتروي :
- وانت قابلتها يا وليد ، فيه بينكم حاجة .
نفي سريعًا :
- محصلش يا ميرا ، هي بتلح عليا نتقابل وانا اللي رافض ، وانا مش عارف اخليها تبعد عني .
ميرا بتعجب :
- يعني ايه واحد مش عاوز واحدة وهي تفضل تجري وراه !، وكمان مش عارف تخليها تبعد عنك ، ازاي الكلام ده ؟! ..
وليد موضحًا :
- اصلها بتهددني بفيديو معاها وانا وهي بنتواعد علي اننا نتقابل عندها .
ثم قام بقَص مقابلاتها الكثيرة التي باتت تهدده بها ، تفهمت ميرا الموقف ، ورغم ضيقها مما حدث ، شفع له اعترافه لها ، واتفقت معه علي توقيعها في شر أعمالها كونها كانت تعتبرها رفيقتها المقربة ....
بــاگــ .....
تصلبت نهلة موضعها وحاولت ابتلاع ريقها من حلقها الذي جف من هول الصدمات التي تراكمت عليها ، نكست بصرها للأسفل خجله من وضعها في ذلك الموقف المشين ، ولم تعد قادرة علي المواجهه ، ولذلك بادرت بترك المكان لهما خاصةً بعد رؤيتها لأخلاصه لزوجته ، نظر لها وليد نظرات متأسفة ، فابتسمت ميرا له وهمت باحتضانه ، فضمها الأخير اليه بحرارة وحدث نفسه بحبور جم :
- شكرًا يا مالك ، انت اللي ساعدتيني اخلص من المشكلة دي ..
فــلاش بــاگــ......
مالك بنبرة ذات مغزي :
- قولي مين المزة اللي لسه خارجة من عندك دي .
رد وليد بتوتر ملحوظ :
- دي واحدة كدة كانت جايه في شغل يخصها وكدة .
مالك مضيقًا عينيه ، رد بجدية :
- انا عارفها يا وليد ، دي نهلة صاحبة ميرا أختي ، شوفتها في العزا بتاع بابا .
تحركت شفتا وليد بتلعثم واضح وهو يجيب عليه ، فرمقه مالك  قائلاً بمعني :
- قولي يا وليد فيه ايه ، والبنت دي عاوزة منك ايه بالظبط ، استأنف غامزًا :
- يمكن أقدر أساعدك .
وليد متنهدا بحزن :
- حاضر يا مالك ، هقولك علي كل حاجة ...........
______________________

((فَرِيسَة للمَاضِي)) ؛؛مكتملة؛؛ الجزء الثاني صغِيرة ولَكِن  Where stories live. Discover now