حضائرُ الأغنام

13.7K 1K 695
                                    

.

-ولكن عمتي أود أن أصارحكِ بشيءٍ ما .

كانَ كلامه معطرًا بالخَوف من أن ترفض العمة مِيسيّل ما يرغبه ، بأن تجبره على الذَهاب قبل أن يرى هذا اللذي ترأس على عرش فؤاده المكنون أسفل أطنانٍ مِن الدروع .

-"أجل ، تَحدث ؟". بحرٌ مِن الهدوء قد عَّم على الحجرة بإبتسامتها الدافئة ناحِيته .

ورغبتها المستغيثه في سماع ما يحنوا إليهِ الفَتى، فَتى الريّـف تايهيونق .


-"أنا- لا أود الذهاب" .. فِي محيطٍ عتيق أغمض عينيهِ منتظرًا لذاعَة الرد الذِي سيأتيه مِن العَمة مِيسيّل . أعاد تشكيل قوتهِ لِيطلق عنان جَفنيهِ ويستبق النَظر إليها .


حالما فتحها تلقى دِفئًا مبهرجًا منها -"لا تذهب إن كنت لا تود الذَهاب ، لن أجبركَ حبيبي تايهيُونق ، سنذهب أنا وجيمين وإبن خالتك يونقي لأنه أصرَ علينا ، يمكنك البَقاء هنا وأخذ حَذرِك على الدواجن من الذِئاب وعن حقول الزهور ريثما نعود".


من كمية الهدوء اللذي رافق كلماتها عَلِمَ الفتى تايهيونق بإمتلاكه حظاً كان بوسع الكرة الأرضية ، قفز إليها مقبلًا لكلا وجنتيها بلطف بينما إبتعد عن مشادقها ليعور ويحمل سلات التفاح بسرعة ومَّرح طائِل مستمعًا للتذمرات اللتي تطلقها العمة مِيسيّل اللطيفه .

-"سَتذهب أنت مع حبيبك وسألتقي أنا بفتاي وأختلي به" . أزفرَّ عَن الهواء الحبيس اللذي عطرَ رئتيه ، وزيَّنَ عينيه بتلك اللمعة الهادءة ، أسكن قلبه سكينة الليل وتلقى ضحكاتٍ مِن جيمين على كلامهِ ، -"إحذر على أن لا تفقد عُذريتَك لأجل زهور فَحسب".

تناظرَ الإثنان ثُم ضحك الفَتى الياقوتي بسلاسة مع جيمين اللذي بادله ميناء صحكاته، وأرسى بسفن الهدوء على كلامه ، -"كَلا إسمعنيّ سأفقد قلبي أيضًا لأجله ، و ليست سوى زهورٍ أيها المختل ، إنها زهور تحمل رائحته ومساعره ونظراته ، ولمساتهِ وعيناه".

ركض بين أعشاب البُستان بينما يتأمل صفاء السماء وفي قلبهِ يدندن ترنِيمةً أندُلسيّه عذبة ، تمتطي على متنها الكثير مِن المعانيّ وروعنة تفكير الربيعي .

توجه هو وجيمين بعدما تبادلوا أطراف الحَديث  -والإبتسامات بينما دفئ الصباح يلفح على وجناتهم بسلاسةٍ تامَة .

-"لنتفق  حَقل الأرانب تاي". صَّرح عما يخالجه ليوافقه الرأي متوجهًا به الى الحقل الرَقيق ، كانَ قد أوضح عن الباب الخشبي ليلجَّ الى داخل الحقل ملقيًا النَظر على مجتمعات الأرانب المتكونه على كلِّ جانب .

-"لِنركضَّ خلفها كما كنّا صغارًا ! الخاسِر سيعد العساء بدلًا عن عمتي". إنهمر حديث تايهيُونق ليبدء بالركض لاحقا خلفه جيمين اللذي خبأ ضحكته متصنعًا الغضب على الياقوتي الذي ركضَ قبل أن يعلمه بالأمر .

كانَت الأجواء مليئةً بالربيـع ، الربيع أمامهم وفي قلوبهم .

كانت بساتينهم عبارةً عن حقول شيدت بدقةٍ كبيرة ، حضائر الأغنام ، مخابئ الأرانِب ، الدواجن ، الزهور والأشجار.. بأكملها كانت كالجَنة مقارنًة بما يعيشه العالم من سلبياتٍ كبيرة داخل المدينه .

كانت قلوبهم مليئة بالصفو الخلآب ، وأرواحهم حاويّة على الأجنحه اللتي بإمكانها أن تغلف الكون لتطير به ، ناحِية الربيـع الأبدي .

رمى الإثنان بجسديهما داخل حشائش الحقول بعدما أمسك تايهيُونق الأرنب البُنيّ لأنه بدأ السباق قبلما أن يفعل جيميّن ، والأكبـر لَا يَكف عن تَذمراتهِ اللتي يختلقها ناحية الياقوتي .

إلتفتَ جيميّن لينظر الى الربيعي ، كان فتىً وديعًا هادءً ، يتلبس على فمه أعذب إبتسامةً كبيرة ، ويزرع بداخل عينيه اللتي كانت مشابهه لألوان الربيع الخَضراء والكثير من الشُهب والنجوم .


-"جيمين ، من أين يأتِ الحب ؟".

-"ألا تَرى بإن أحاديثك بأكملها عن الحُب منذ إن بدأ يعطيك الزهور والى الآن ؟ أخبرني هل وضع السحر فِي إحداها ؟". رَماه جيميّن بينما يضحك بشدة على الربيعي اللذي إلتفت إليه بورت ، غاضبٌ قَليـلاً لإن الآخر يقللُ من مواضيعه عن الحب ، جيمين يجهل إن الآخر واقع بالغرام الكبير مع شيءٍ غير ملموس بالنسبة له .

-الحُب أن تجد الأُلفة والطمأنينـة في مكانٍ ما ، مهما كان وأينما كان.

صدر صوت من خلفهم وما كان سوى يونقي اللذي يتوجه ناحيتهم بخطىً هادئة ، قفز جيمين من مكانه ركضا الى يونقي ليأخذ  شَفتيه بأعذب قبلـة جعلت من الياقوتي يلتفت خجلاً الى غير زاويـه .

-"أرى إن تايهيُونق وقع في الحب ، ياترى مع من ؟". قهقه يونقي بينما الربيعي كانَ قد إشتعلَ وكأنه لا يود أن يبوح شيئًا عَن ذخيرته المبهمـه ، لا يود أن يبرح عن -عذاب الحب اللذي يتغنى نحو شيءٍ غائِب .


-معـي.

توليّـب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن