١٢.جَعَلَتني أستفيقُ بُرهةً كشُعلةٍ وضّاءة.

322 24 41
                                    

ـ

و كانَ لي مغزىً من شَقِّ طريقي نحو ذلك الزُّجاجِ المُسمى بالنَّوافذ مُبتعِدًا عن مائدةِ الطَّعـامِ تلك، نوافذ ضخمةٍ تجعلني قادرًا على مُراقصةِ كُلّ تلك الشُّهب التي تصقُل بمُقلي الناعِسة في هذا الدَّغشِ البارِد

مُتناسيـًا وحشتي تلك مع تدفقِ النَّغماتِ الباكِيةِ التي كادت أن تُبكيني معها رُغم الطابعِ الرونقي الذي تمنحه لروحي التي تأنَّست بوجودِها.. وَحدك من تظنُّ أنك تعيشُ بالوحشةِ يا أنا..

فأنا أملِك الموسيقى و أنا سيّدها و لديّ المقدرةُ على تأملّ هذا البهاء و لديّ ذلك الحبرُ و تلك الرَّسائلُ و مُخيلةٌ كبحرٍ واسعٍ و عالمٌ آخرُ أجهله و لا ننسى هذا الجرو اللَّطيف الصغير الذي يجعلُ بسمتي ترتسمُ رغمـًا عنّي بسببِ تصرفاته اللَّطيفةِ و المُشاكسةُ نوعـًا ما...

أخذتُ أسبحُ بتلك الموسيقى أكثرَ فأكثر، حتى تبادرت لذِهني بعضُ الكلمات و جاءت على طرفِ لساني فلم أمنعها من الخُروجِ فنبستُ بصوتٍ شبه مسموع:

انعتني بالمُستنزفِ الذي تجَردت روحه العارِيةُ من تكدُّس مشاعِرٍ لم تمرّ يومـًا على روحِ أيّ إنسان، الميّتُ الواقف الذي ينتظرُ هبوبَ الرِّياحِ لتأخذَ مَعها ما تبقى من رَمـاد...

هذا ما خَطر لذهني فتوقفت لأقومَ بكتابته في رسالةٍ جديدةٍ لماتيو، فتوجهتُ نحو غرفتي للطّابق العُلوي و أنا أحمل الجَرو فتوقفتُ عند الدَّرجةِ الخامسةِ تقريبًا حينما سمعت نُباح الجرو فأفلت من ذِراعيّ و ركض بسرعةٍ عائِدًا للأسفل فالتفتُ مُسرِعـًا لكي أجلبه...

و قبل أن أتعدى الدَّرجة الثالثة رأيتُ ذلك المُحتدم الواقف و المُبلل بالكامل فسارعتُ خطواتي نحوه ظنًّا مني أنه والدي بسبب عدمِ وضوحِ الرؤية فالأنوار _التي كانت مُضاءة قبل هذا_ قد أُغلِقَت، و لكن ما إن اقتربتُ حتى اتضحت الرؤية نتيجة الأضواءِ الخافتةِ التي تتسللُ من تلك النوافذ العملاقة ليتبين لي أنّه ذلك الأُستاذ... و لكن كيف؟..

أُستاذ؟ لماذا عدت بهذه الساعةِ المُتأخِرة؟ و لما أنت بهذه الحالة التي يُرثى لها؟
باشرتُ بطرحِ الأسئلةِ عليه و أنا أُمرر منديلي _الذي أخرجته للتّو من سُترتي_ على وجهه و شعره المُبلل و للأسف لا يكفي لسائر جسده المُبلل

ستتجمد من البَرد يجب أن تأخذ حمامًا ساخنًا!...
قلتُ بعد أن ابتل المنديل بالكامل، ما باله ساكن لا يتحرك هكذا، و وجهه شاحبٌ و يبدو بأنّه... ثَمِل؟ أشتمُ رائحة النبيذ تفوحُ منه...

"غونزَاليِس.."
أصابني شيءٌ من التوتر و القُشعريرة حينما سمعته ينادي اسمي بنبرته تلك.. و قبل أن أردَّ عليه شعرت به يقترب بجسده المُثقل حتى بات قريبًا جدًا منّي

رَسائِل غونزاليس|TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن