١٣. أمـدًا بعيـدًا حتى غِبت عن ناظِري.

292 25 25
                                    

ـ

أيا سَحاحةً كُنتِ في السُّجولِ الذي هَبطت به المنايا مُتسلسلةً كنغَمٍ شجنٍ حزين، يُرفق معه ضوءًا خافتًا باردًا يُنجي الدُّجى المُلتحف الرُّوحَ من حرائقِهـا لتعيد رمادها لتلك الحياةِ البرزَخيةِ بعد زوالِها، إنّي أرى الهلع قد أسدل قيودَه على الأنفُسِ في تلك اللَّيلةِ المُرعِبة، شيءٌ ما لم يحطَّ على ناظِري أيّ أحدٍ من قبلُ حتى اكتسى الثَّلجُ حرائِق الجَشعِ و تعفنت الأرضُ بِجثثِ الأحياء قبل أرواحِ أحبابهِم الأموات...

لم أظُن يومًا بأنّني سأُلقي التُّهمة لدفينِ روحي الذي خانتي ذاكرتي لتدفعني لنسيانه مرارًا و تكرارًا، شيئًا فشيئًا و حينًا بعد حين حتى انتزعنا الشَّوقُ من صَلابتنا راكدينَ توّاقين في اللَّيالي نُغني و نشربُ من الكأسِ حتى الثُّمالةِ و نحن ببُعدنا عن بعضنا تائهينَ لا محالة..

مَرَّ أربعة عشر عامًا مُنذ تلك الحادثة و كم من رسائلٍ خُطَّت لك بأناملي التي لم تعُد الخواتم المُرصعةُ تُزينها، ‏و أمّا عن تلك الرائحةُ الجنونية التي خُلِقت بذهني، و ذلك النَّغمُ البهيُّ الحزين... جعلا مني عاشِقـًا مجازيـًا لا يمسه حُبٌّ مُنذ أزلٍ و لم يُصبه كذلك بعدُ حَتى إلى يومِ مَردِّنا للحَضيض

كُلُّ هذا و أنا لم ألتقِ بك بعد، أين أنت؟ و ماذا تفعل؟ و هل أنت على ما يُرام أساسًا؟ أصبحتُ بسن الخامس و الثلاثين تقريبًا و جشعُ روحي بطلبِ لُقياك ثانيةً... لا يتوقَف و لم يتوقف و لن يتوقف..

أرجوكَ دُلَّني على مكانك، حيثُ أنت.. أوليس العالمُ قرية صغيرة _كما يقولون_؟....

_صوت طَرق باب_

تفضَّل
قُلت

سيدي طابَ مساؤك، لقد تليقتُ كتابًا لم يُذكر به اسم المُرسل و لكن يبدو بأنه لك
قال الخادم بعد أن دَخل و ها هُو الآن يمدُّ ذراعيه ليعطيني إياه ليُصبح بين كفيَّ فأقِف واجمًا لما شَهِدَت به الحدقتان...

شـ شُكرًا لك، يُمكنك الإنصراف..
قلت برجفةٍ استولت نبرتي لِيَخرُج هو بعد أن انحنى

جفني الظمآنُ قد كاد يرتوي دمعًا، و شفتينِ كُزت و روحٌ هالت بها الأحوالُ، جسدٌ أخذ يترنحُ ليستعد لتصفحِ ما بيد كفيه و كأنه موشِكٍ على خوضِ بساتين من السُّدم التي يصعب على المرء تصديقها

ما أنت سوى قدحٌ تجرعتُ منه نهج خفقي، و ما أنا إلّا النيزكُ الذي آنس الطريق اللَّبني في قاعِ سوداوتيك

تصقُل شظايا زُجاجِ الحاجب الشّفافِ الواقع بمُقلتاي أثناء حضورك حتى في الخيال، و ها هو كتابُ الزُّهورِ هذا الذي كُنا نتصفحه مع باقِ كُتب تلك المكتبة المُتواضعة و ذلك العمُّ الطيّب الذي يملكها قد جعل السَّعد يفيضُ منّي حينما تأكدتُ من أنَّك تتنفسُ على الأقَل، و هذه الأسطُر التي بخطِّ يديك و التي كتبت بها :

رَسائِل غونزاليس|TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن