المقدمة

16.8K 173 23
                                    

تقافزت بشقاوة علي درجات السلم كأنها ارنب صغير وقد ساعدتها قامتها القصيرة وجسدها الضئيل في تقمص دور الطفولة الذي تسعي الي لعبه وبجدارة...
رفعت كفها تشعث خصلات شعرها قليلا حتي تناسب ما تريد القيام به ومع حركات مدروسة تحركت متسللة تتبعها فتاة اخري تشبهها كأنها نسخة اخري متكررة منها خطوة ثم اخري وها هما يصلان الي السيارة ليصعدا اليها منطلقين بها عبر الطرق الهادئة داخل هذا المجمع السكني وما ان ابتعدا بشكل ملحوظ عن منزلهم حتي ضربت كلتاهما كفيها ببعضهما بانتصار فهما قد هربا اخيرا ونفذا الخطوة الأولي من الخطة...
سألت من تقود بهم السيارة بجدية وصوت قوي ينافي ملامحها الطفولية البريئة وملابسها ومظهرها الذي يدل علي طفلة بالكاد بدأت سنوات المراهقة..
:- انتي متأكدة انها وصلت؟...
هزت الأخرى رأسها بثقة قبل ان تجيب بشقاوة...
:- وصلت وجهزت واتفقت مع ديما علي كل حاجة الباشا اتحجز ليه في ركن العائلات لوحده... ان مجننتهوش ابن شهيناز مبقاش انا بلسم...
ابتسمت الأولي في شماتة وحماس للقادم فهذه الإثارة التي تنتج مع صنعها للشغب مع توؤمتها الشقية هو الجزء السعيد من حياتها....
ابتسمتا ما ان اوقفا السيارة امام المطعم الضخم الخاص بخالهما والذي سيتم فيه بقية الخطة...
تسللا الي الداخل من باب الموظفين حيث استقبلتهم ديما ابنة خالهم التي ابتسمت لهم بتشجيع قائلة برقتها الدائمة ولهجتها المخلوطة ما بين المصرية والفلسطينية والسورية حتي اصبح لها لجة خاصة بها تمثلها بكل دلالها ...
:- بالتوفيق يا عفاريت بدي ابن شاهيناز هانوم ام اربعة واربعين هاي يروح لأمو بكيان زي الزعران مع ان الولد يا حرام اكتير وسيم بس امو ما بتشفعلوا ينقبر هو وامو الي متل العقربة الله يوفقك ها...
ابتسمت لها بلسم باتساع قبل ان تقول بثقة...
:- متخافيش هعلموا الأدب وعقبال مقدر اعلم امو الحيزبونة دي الأدب هي كمان.
تركتاها ودلفتا الي الداخل الي حيث الشقيقة الثالثة لهم والتي تقف امام الغرفة المطلوبة من الخارج ابتسمت لهم بلسم بتشجيع قبل ان تدخل الي الغرفة مع ابتسامة شقية متحمسة تنفست بعمق ثم همست بخبث..
(استعنا علي الشقي بالله... جيت لأدرك يا اسمك ايه..)
وما ان دخلتها حتي وقعت عينيها علي الشاب المطلوب والذي كان يتحدث عبر الهاتف بثقة ولا زال لم ينتبه لوجودها بعد...
:- انا مش هنسالك التدبيسة دي...... لا محدش جه... يا بارد بقولك تـ.....
توقف عن الحديث وعينيه تلتقطان تقدمها بخطوات مع حركات متعثرة كطفلة خجولة حتي انتهي بها المطاف تقف امامه اخيرا تناظره ببرائة وابتسامة خجولة تخفي خلفها رغبة عظيمة في ان تضحك خاصة ونظراته الوقورة تقع عليها يناظرها بعدم استيعاب تمر نظراته عليها من بداية خصلاتها المربوطة علي هيئة ذيلي حصان علي جانبي رأسها وقد تشعثت خصلاتهما بشقاوة ثم وجهها المبتسم بطفولة حتي فستانها الطفولي الوردي الذي غطي منتصف ساقيها بأكمامه المنفوشة القصيرة وتصميمه الثمامنيني ثم جواربها البيضاء متوسطة الطول بنهايتها المكشكشة بطبقة من الشيفون ثم حذائها الوردي المتلألئ...
نظراته ارتفعت حتي وجهها البريئ الدائري بنظراتها الزرقاء النقية وابتسامتها الوردية ثم شعرها الطويل الأسود وتلك الغرة الملقاة علي جبينها ...
كتمت ضحكة اخري وهي تراه يتراجع خطوة للخلف سائلا بلا تصديق...
:- اممم.. بـ.. بلسم...
ابتسامة بريئة مع هزة رأس كانت اجابتها ولم تحتاج اكثر لقد علمت انها اصابت هدفها وانتهي الأمر لكنها لازالت تنتظر نهاية الجولة...
لقد اتى تنكرها بتأثيره المطلوب انه يعتقد انها طفلة صغيرة الأن مع ابتسامة صغيرة وطرقة من يدها للباب المجاور لفتت انظاره الي الباب الذي كان مغطي بالمرايا التي عكست صورته ناظر صورته ثم عاد بنظراته الي الفتاة مرة اخري بحيرة لتعود مشيرة الي المرآة وما ان نظر هءه المرة حتي رأي نفس الفتاة تقف خلفه تبتسم بشر لينتفض ناظرا الي الخلف لكن الفتاة اختفت..
تنفس بلهاث ثم عاد للفتاة الأولي المريبة لكنه لم يجدها..
لينتفض مرة اخري مع صوت الفتاة الرقيق الذي اتي من مكان ما...
:- انت خايف يا استاذ.... كريم..
الإسم الأخير كان بصوت خشن مناف للصوت الرقيق الذي بدأت التحدث به ومع نهاية حروف الإسم انطفئ الضوء داخل المقصورة المغلقة ليلعن الأخير قائلا بغيظ..
:- ايه الهزار البايخ دا يجماعة الله.. انا في مطعم محترم ولا مقلب رامز جلال...
مع اضائة خفيفة عكستها المرآة التي يقف بقربها رأى الفتاة الصغيرة تظهر مرة اخرى ثم تنقسم لاثنتين امام ناظريه ثم تعود فتاة واحدة مرة اخري وهي تردد اسمه بنبرة مزدوجة اشبه بأفلام الرعب مما جعل قلبه ينتفض بخوف ولسانة يسب بغضب قبل ان يلعن داخله برعب ..
:- اشوف فيك يوم يا ابن شاهيناز يوم اسود زي معرفتك...
اضائت الأنوار مرة اخرى وبدل ان يري الفتاة الأصغر عمرا وقعت عينيه علي اخرى اطول قامة بشعر اسود طويل هفهاف يتساقط حرا علي احد كتفيها مداعبا قرطيها الذهبيين المميزين بطولهما وشكلهما البوهيمي
كانت امرأة فاتنة بعينين داكنتين ووجه انثوي كأن الفتنة مخطوطة في كل تفصيلة من تفاصيله حتي ان عينيه اتسعتا بينما ينظر لوجهها الفاتن الذي سرق نبضة من نبضاته وقبل ان يتحدث عاد الصوت الطفولي يناديه لكنه قرر تجاهله تماما وقد فتن لما يراه ولسان حاله يقول بلا وعي...
:- يخربيت غبائك يا كريم يا ابن شاهيناز....
قطبت الفاتنة ما بين حاجبيها بحيرة جلية اعلمته ان ما قاله كان بصوت عال قبل ان تسأل بصوت انثوي عذب زاد من افتتانه الواضح بها...
:- هو حضرتك مش كريم الأسيوطي...
هز رأسه بنفي مقدما كفه للفاتنة الواقفة امامه معرفا عن نفسه بنبرة فخورة يشوبها الغرور ..
:- زين الاسيوطي..
تطلعت اليه الفتاة بحيرة قبل ان يصله سؤال بصوت طفولي وقد قفزت صاحبته امامه فجأة ليجفل عائدا للخلف خطوة ..
:- مين؟! ... هو انت مش عريس الغفلة... اقصد انت مش كريم.
انعقد حاجبي زين بعدم فهم وهو ينقل نظراته بين الفاتنة والفتاة الطفولية والتي اكتشف انها تشبه الي حد كبير الفاتنة التي خطفت نبضاته كأنهما نغس الشخص لكن في فترات زمنية مختلفة مما اعاد الريبة الي قلبه بينما يشير اليهما بأطراف اصابعه.....
:- انتو اخوات ولا فوتوشوب ولا ايه بالظبط ...
:- فوتوشوب ايه انت عبيط يا ابني ...
قفز خطوة اخرى للخلف بينما ينطق اسم الله في فزع وقد ظهرت نسخة طبق الأصل من الفتاة الطفولية القصيرة حتي انهما يرتديان نفس الفستان ولكن صوتها القوي يختلف كثيرا عن الصوتين الرقيقين للفتاتان الواقفتان امامه تطلع الي ثلاثتهم قبل ان تسأل صاحبة الصوت القوي..
:- مين دا؟...احنا دخلنا الاوضة الغلط ولا ايه...
تجاهل الرجل كلامها بينما يسأل..
:- انتو توؤم...
عادت الأخيرة تجيبه بسخرية...
:-دي عرفتها لوحدك ولا حد غشسهالك.. مين الكائن دا يا جماعة..
تحدثت شبيهتها قائلة بمعرفة وفد اشرق الذكاء داخل عينيها...
:- دا ابن عم كريم تقريبا....
تطلع اليهما لدقيقة في صمت كأنهم لا يتحدثان عنه قبل ان يستوعب عقله ما يحدث فقال ضاحكا...
:- انتو عملين كل دا عشان تطفشوا كريم ... يا ريتني ما وافقت اجي بداله كان زمانه شرب المقلب اذا كان انا شربته وكنت قربت افتكر ان المكان مسكون فعلا او بتخيل من كتر الشغل والله..
ضحك مرة اخري قبل ان يعرف عن نفسه مرة اخري..
:- انا زين الاسيوطي اخو كريم عريس الغفلة مش ابن عمه بس انا اخوه من الأب بس ومن حظي اني خسرت في دور الطاولة امبارح واتحكم عليا اجي بداله عشان يهرب من اختيارات شاهيناز المبهرة...
ومع اخر كلمة نظر بافتتان الي الفتاة الطويلة فيهم ومع نظراته الكثيفة تخضب وجه الفتاة بحمرة خجولة زادت من افتتانه لكن احد القصيرات قاطعته قائلة بغلظة..
:- اجيبلك شجرة واتنين لمون يا خفة...
قرصتها الفتاة الشبيهة بها قبل ان تقول بلهجة مهذبة...
:- انا بلسم المفروض عروسة اخوك وصدقني سعيدة جدا انو هرب واحنا اسفين جدا انك وقعت في المقلب بدل اخوك لكن حكم القوي علي الضعيف...
ضحك من لهجتها البائسة وطريقتها الطفولية الناعمة التي استشعر خلفها مكرا ليس بهين ليقول مبتسما..
:- شوف يا اخي الحظ واصحابه كلو من شهيناز وعمايلها ....
ضحكت بلسم قائلة بتمسكن:- اهي طنط شهيناز دي طيبة اوي اوي والله مش عارفة اقولك اد ايه كنت متحمسة تكون حماتي...
:- طبعا اومااال..
قالها مبتسما لتناظره بخبث وهي تري نظراته التي تهرب كل ثانية لتسقط علي وجه شقيقتها التي تخضب وجهها بحمرة خجولة ونظراتهما متبادلة...
قاطعت نظراتهما بعبث وهي تلقي بكلمات ساخرة اليه...
:- فرصة سعيدة يا استاذ زين... تولين تعالي..
وتولين كان اسم الفتاة الرقيقة التي اراد لو استطاع منعها من المغادرة ولكن نظرة بلسم الاخيرة وتلك البسمة الخبيثة العالمة ببواطن الامور كانت كقبس من نور ليفهم ما رمت اليه تلك الداهية...
لقد اهدته المفتاح والبقية عليه هو...
اهدته تولين....
تلك البلسم سوف تكون صديقته المفضلة في الأغلب... 6
•••••••••••••••••••
العيون الزرقاء قاتلتي بحرا هائج خطر النوايا
ولكن عينيك كشاطئ الفردوس امنة من اي بلايا
تداوي جروح القلب وتجذبني الي جنة ما لها من نهايا
•••••••••••••••••••

اسكنتك قلبي..... ((((( مكتملة))))Место, где живут истории. Откройте их для себя