الفصل 3| عاصفة في عينيه!

48.3K 2.3K 420
                                        

كانت غرفة مكتب كينغ الخاص تسبح في لجج من العداء، و الحرارة العالية فيها قد خنقت ماريغولد و جعلت جسدها يتعرق بشدة، صوبت نظرها إلى نيران المدفأة المتآكلة مفكرة أن التذبذب الجنوبي الذي جلب الأمطار و البرودة مؤخرا إلى الجنوب الأسترالي قد قلب الموازين و غير الكثير، لكن... ما بالها تفكر في الطقس الآن؟ حريٌّ بها أن تقلق بشأن العواصف التي تلفُّ هذا الرجل الطاغي، و البرودة التي تكسو وجهه بلا هوادة!

صال هارولان و جال حولها كثور هائج لا وثاق له، و لم تحِد نظراته الضيقة عنها، كأنه يسأل نفسه سرًّا: ماذا يمكن أن يفعل بها؟ صوت حذائه و هو يرتطم بالأرض... تزامن مع تكتكات ساعة البندول القديمة المتوجة بقرون الأيل فوق المدفأة، و وقع قطرات المطر الذي عاد ليضرب في الخارج مهاجما النوافذ أضفى على الأجواء لمسة غريبة، كل ذلك... جعل ماريغولد تُجاهد حتى تجد متسعا لتتنفس! هل هذا هو... الهدوء الذي يسبق العاصفة؟

استقامت على مهل لتواجهه، فتوقف عن خطواته المرهقة للأعصاب، و سأل بغطرسة:

"لماذا لم تغادري مع خطيبك؟"

كان متجبِّرا إلى حدّ أنه لم يسمح لها بالإجابة، و ردَّ بدلا منها في لهجة ترفُّع:

"لأنكِ حين علمتِ من يكون الطفل، طمعتِ في جني ثروةٍ من ورائه! أليس هذا صحيحا؟"

أحجمت ماريغولد عن التأكيد أو النفي، بالأحرى لم تجد ما يمكن أن يقال لهكذا إنسان، بينما أنصت هارولان هنيهة إلى اللظى و المطر اللذان تخللا الصَّمت، قبل أن يسير ببطء في نصف دائرة حول طاولة مكتبه، و يفتح درجا هناك، ليقبض بيده على عشرات الأوراق النقدية و يرفعها ملوحا بها، فيضيف:

"أليس هذا هو الثمن الذي تجازفين بحياتك في سبيله؟ خذيه إذن!".

حرك ذراعه بقوة، فطارت الأوراق عبر الغرفة، و تفادت ماريغولد الرمية الموجهة إليها في اللحظة المواتية، لينتهي أمر المال لقمة لنيران المدفأة! و المؤلم أن روحها احترقت في تلك المساحة الصغيرة المُسعرة أيضا من قسوة كلماته، قاومت لتقف في وجهه رابطة الجأش، و حاربت دموعا ملحة و هي تنظر إليه بتحدٍ، رأى هو تلك الحرب المحتدمة في عينيها، فاستغربها! و ربما راق له و استفزه في آن واحد... أنها تمتلك قدرة عجيبة على كبت الدموع عكس بنات جنسها! تبا لها من بين النساء! تبا لنظرتها الجريئة التي لا أثر فيها للخوف! و تبا لشعوره المتناقض الغريب!

أشاح عنها متحركا باتجاه حقيبتها، فصاحت بانفعال:

"أحذرك من لمس أشيائي الخاصة!".

"لِمَ كل هذا القلق بشأن حقيبة ثياب؟".

سخر منها بإذلال:

"أم أن داخلها مسروقات كما أتوقع؟".

فتح الحقيبة دون اكتراث لمعارضتها المتواصلة، و كان ما رآه صادما! وقع نظره على علبة شفافة تكشف الحلقين الناعمين داخلها متباهية ببريقهما الماسي الآسر، أزاح هارولان العلبة جانبا دون أن يرفع غطاءها، و اهتم بمعرفة ما يوجد داخل لفافة الحرير التي تحتها، و ما إن مدَّ يده ليكشف عن المستور، حتى اصطدمت عيناه بشيء آخر أسرهما، وجد نفسه يحدق بأجمل فستان زفاف!

الغضب الأسودWhere stories live. Discover now