ألم!

25.9K 1K 129
                                        

سحبَ سلطانُ الفراغِ موجةً أخرى من التِّيه إلى عينيها، و كبكبَ المحيطُ مزيدًا من حبَّات الرمل و الملحِ في تجاويفِه المخيفة، ثم ضيَّق عليها الخناق، و لطمَ بها الصخور القاتمة دون هوادة، و ها هي السماء المُلبَّدة بغيومها الداكنة تبدو جاثمةً على الكون، كما لو أنها احترقت و فقدت لونها الفيروزي إلى الأبد! شعرت ماريغولد و هي تجلسُ على رمال الشاطئ أنها باتت رماديَّة كهذا المحيط تماما، حدَّقت فيه مطولا، فاكتشفت أنه يشبه فوضى أعماقها! ارتعشت شفتاها و تكوَّرَ فمها رافضا تذوق مزيد من الدموع، حزَّ في نفسها أن ترى المحيطَ هكذا... مجردُ كتلة شاحبة تزبدُ و تزجرُ إلى ما لا نهاية! يبدو أن اللون الأزرق سيختفي من حياتها لوقتٍ طويل! يبدو أنه لون المستحيل حقا! ابتسمت بمرارة تشعرُ أن الورود الستة لا زالت بين أناملها، بينما لم تكن تقبضُ على شيء غير الرمال النديَّة! آثار قبلة هارولان لم تغادر شفتيها... أم أن ما يحتضنُ تلك الشفاه ليس إلا حسرة الروح؟ للمرة الألف يخدعها الزمن، ترى الشمس... و مع ذلك الظلام مصرٌّ على البقاء! يستمتعُ الوجود بالسخرية منها! و تضحكُ الأقدار! كانت في السابق تجدُ نفسها على ذلك الشاطئ؛ و اليوم لا أثر لها هناك! للحظات طويلة كانت مُتجمدة الجسد، مهزوزة الروح، فزِعة النظرات، فارغة الروح! تتغذى الذكريات على بقايا وعيها! و تهربُ الأحلام من بين يديها بمكر! طاردت وجها واحدا في مكامن فكرها، و جنَّدت كل ذرة من أعطافها لتشعر بعناقه، بقبلته، بوهم ساحر يخففُ وطأة الإنسلاخِ عنه! ثم فشلت! اشتدت قبضتاها حول الرمال اللامعة تحت شمس الصباح، كأنما تخشى أن تفلت منها مثلما أفلت كل شيء آخر! سحبها الفراغ إلى التِّيه، كبكبَها المحيط مع كلِّ حبَّةِ رملٍ و ملح، أخافتها التجاويف، و اختنقت داخلها، حتى لطمتها الموجات العنيفة على وجه الصخور مرارا و تكرارا، ثم جثمت فوقها السماء المُحترقة، و بات الرماد جزءً هائلاً منها! و أضحت مستحيلة! و أملت بعد كل هذا أن ترتدي زرقةَ المحيط مرةً أخرى؛ لكنها ارتدت بدلاً من ذلك لعنةً لا تُفلتها، و أيَّاماً سوداء لن تعرف لها سِراجًا! غسلت الأمطار من ناصيتها غبار السفر، و من خديها نقوش الدموع؛ لكنها لم تُزِل عن جسدها آثار القهر، و لا توقفت الباخرة العابرة عن نحيبها في الأفق، و لا انساقت السُحبُ الكئيبة إلى فجرٍ آخر، و لا اقتنعَ الصيادُ الغامض الذي جلس على أكتاف صخرة هناك أنه لن يظفر بشيئ من هنا سوى مرارتها! و لا تزحزحَت الصُّخورُ القاسية من أماكنها قبل أن يجلدها المُحيط بأمواجٍ أخرى! امتزجت ماريغولد مع الفراغ و التجاويفِ، و بدا لها أنَّها قست كالصخور، و لم يعُد من المتاحِ لها حتى أن يُكبكبَها شيء، و لم تعُد تستطيع النظر بشبرٍ واحدٍ خلف دائرة التِّيه! و لم يُبقِها على قيدِ الوعيِ حينها شيء سوى... لسعاتُ سياطُ الألم!

🖤

الغضب الأسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن