عرفت كينغلاند بعد عيد الميلاد أياما حارَّة نسبيا، لكن في الأسبوع الموالي عاودتها الأجواء اللطيفة، و ألفت ماريغولد في ذلك فرصة سانحة لا تُفوَّت لتزرع شيئا في المروج، و كان لا بُدَّ كمزارعة حريصة أن تكرر معاينة المكان المخصص لها قبل إتخاذ قرار فيما سيتم زرعه أو غرسه، علاوة عن تهيئة الأرض و تهذيبها و تنحية الحشائش البريَّة الضارَّة قبل ذلك.
بعد الليلة التي قضياها معا في المطبخ يرتشفان القهوة مسافرين على أجنحة كل كلمة كتبتها شارلوت بيل، سافر هارولان بعيدا بمعيَّة وكيل أعماله هوكينز إلى سريلانكا من أجل صفقة مهمة، و طال غيابه لأيام، أيام أرهقت قلبها، و أثقلت حواسها عن الشعور بأي شيء آخر سوى الفراغ الذي تركه، لم يعد شيء على جماله في أرض كينغ، لا الأشجار الوارفة و لا الطيور التي تتقافز فوق أفنانها، و لا حتى ورودها! لم تعد أصوات خُوار الأبقار و صهيل الخيول الذي تفِدُ من الحضائر و الإصطبلات البعيدة تُشعرها بدفء الحياة، و لم تعد النسمات العليلة الآتية من السُّهول تشبه سوى القشعريرة الباردة التي تسيطر على جسدها كلما تذكرت كلماته! طيفه لم يغادر خيالها، و صوته ظل يتردد في أعماقها بقوة، لماذا؟ لماذا تبدو كينغلاند ميتة هكذا بدونه؟ و الأهم... لماذا تبدو هي أيضا ميتة؟
لوقت طويل... لدقائق أو ربما لساعات... تأملت الوردتين اللتين ظلتا ذكرى منه، أصبحت الأوركيد البيضاء شاحبة مصفرَّة و متيبسة البتلات، بينما ذبلت الوردة الجورية الحمراء و بدأت رحلتها إلى الجفاف، كانت تحتفظ بهما تحت ثيابها في الخزانة، و رغم افتقارهما للون و الحياة؛ إلا أن لمسة واحدة كانت كافية لتعيد إليها تلك اللحظات الجميلة، حين اعتذر منها بالأوركيد، و اشترى لها الجوري!
حاولت محاربة استعماره كيانها، بحثت عن شيء يجعلها تخرج من قوقعة تعاستها الغريبة، لتشع في بالها فكرة إحياء الأرض بمزيد من الورود، لذا جلست في ذلك الصباح بالحديقة ترسم مخططا لرقعتها الغالية على دفتر صغير، و عدَّدت على أصابعها خطوات العمل و المعدات و المواد التي ستضعها في السيارة.
عقِبَ ذلك بنصف ساعة، كانت تغادر غرفتها بعدما ارتدت زي العمل، و اعتمرت قبعتها منشرحة الصدر، حتى صادفتها آبي متسائلة:
"صاحبة الورود؟ تبدين مشرقة!".
تداركت ذلك ضاحكة:
"أعني... أنتِ دائما هكذا؛ لكن اليوم وجهكِ متورِّدٌ بشكل مدهش!".
ضحكت ماريغولد بدورها مردفة في تواضع:
"إنه حماسي للعمل فحسب!".
"هذا يدفعُ نحوي الحماس أيضا، ماذا ستفعلين في الحدائق اليوم إذن؟".
تأملت ماريغولد يديها، و صرحت:
"لن أعمل في الحدائق هذه المرة!".
نظرت إليها آبي باستغراب، فتابعت الأخرى موضحة و هي تتجاوزها في خطوات بطيئة:

YOU ARE READING
الغضب الأسود
Romanceفسخت ماريغولد خطبتها لتنقذ طفلا صغيرا، لكنها تجد نفسها متهمة بمحاولة خطفه من طرف خاله القاسي! يسجنها راعي البقر هارولان كينغ في إصطبل على أرضه عقابا لها لأنها تجرأت على الوقوف أمامه بكل قوة، لكن ماذا سيفعل سيد قطعان الثيران حين يكتشف أن ماريغولد خطف...