الفصل 18|كيفما شئتِ!

46.6K 2.3K 646
                                        

حين رفعت ماريغولد جفنيها وجدت أن نور الصباح المشرق يشاركها الغرفة، أزاحت اللحاف منزلة ساقيها عن الفراش، و نظرت إلى نفسها بحيرة، إنها لا تزال بثوب الحفل الأحمر! حاولت تذكر ما حدث أمس، فشهقت باضطراب:

«رباه! من الواضح أنني فشلتُ في مقاومة ذلك النعاس فنمتُ أمام مكتبه! و لكن... من حملني إلى هنا؟».

تنهدت مستطردة و شعور غريب يولد في قلبها:

«من غيره يمكن أن يفعل؟».

أخذت حماما منعشا، و جلست تمشط شعرها قبالة المرآة مفكرة في تهربه منها بعد الحفل، أحزنها أنها لم تتمكن من الإطراء على ما قام به لإسعاد سكان مزرعته، لقد اكتشفت أنه إنسان معطاء، يمكنه أن يمنح دون مقابل، و أن يسعد القلوب بنفس تلك الأشياء التي تناقض سواده. دُهِشت لتغير نظرتها إليه مع تقدم الوقت، مررت أصابعها على برواز الصورة الذي صنعه لها، أنامله نحتت هذا الشيء ببراعة فذة، رغم غضبه القاتم... فإن له روحًا تفهم الفن! التقطت وردة الأوركيد البيضاء و جعلتها ترقص ملتفة حول نفسها بين يديها، ها قد بدأت بالذبول، لكنها لا تزال عابقة بعطر خاص، بهذه الوردة عرفت أنه سمع حديثها عن رمزية الأوركيد الأبيض في المطبخ، و اتخذه وسيلة ليعتذر و يعبر عن ندمه، و كم كان ندمه حقيقيا و اعتذاره راقيا، فأجمل الرسائل لا تمتطي الألسن، و لا ترتدي الكلمات؛ و إنما تأتي في حُزمٍ صامتة، و باقات هادئة، كالورود و الموسيقى... أو حتى النظرات!

رتبت ماريغولد شعرها على كتفيها جيدا، تأكدت أنها وظبت كل متاعها في الحقيبة، و كان آخر ما أضافته فوق ملابسها صورة أمها و الوردة البيضاء، ابتسمت و هي تشعر أنها وضعت جزءً منه هناك، و ستأخذه معها، يبدو هذا جنونيا! لكن... ربما ستشتاق لعصبية هذا الرجل و لحنانه الذي لا يظهره! تنهدت و تخلصت من منشفة الحمام لترتدي قميص «خادي»(١) زيتي اللون بأكمام واسعة، ثم دست ساقيها داخل تنورة مريحة من قماش «الروز الين»(٢) و التي يشبه لونها القشدة، و بينما كانت ستغمد قدميها داخل حذائها الرياضي الأبيض، دقَّ أحدهم الباب، فسكنت حركتها، و أجابت بروح متيقظة:

"تفضل".

لا بُدَّ أنه هو، هكذا فكرت و هي تقف وسط الغرفة ناسية أمر الحذاء، و تتأهب لتشكره على حفل أمس، و لتعتذر أيضا إزاء حماقتها حين نامت سهوًا على مصطبة مكتبه، لكن دخول السيد لي بدلا من سيد البيت المُنتظر جعل ابتسامتها تضيق، و قلبها يرتجف خيبة، متى ستتسنى لها محادثته؟

"آنستي، لِيونارد بانتظاركِ لتشاركيه الفطور".

أومأت له بصمت، ثم تبعته نحو قاعة الطعام، أين كان لِيو يترقَّبُ انضمامها إليه متحرِّقَ الشوق، لثمت خده، و اتخذت مكانها بجانبها، و بؤسٌ غريبٌ يسيطرُ على روحها، ربما لأنها لم تجده هناك أيضا، أو ربما لأنها راحلة بعد قليل، تجنبت فتح الموضوع مع الصبي و تركته يستمتع بوجبته اللذيذة، لكنها حين رافقته إلى غرفته ليرتدي ثيابًا تناسب تريضه في الحدائق، قرفصت أمامه و أخذت وجهه البريء بين كفيها متمتمة:

الغضب الأسودWhere stories live. Discover now