بلغ الإنهاكُ بماريغولد سقف احتمالها، شعرت بالألم يستيقظ بجراح ذراعيها، و بظهرها بنشق نصفين، و بساقيها خائرتين تعجزان عن حملها هي و الطفل أكثر، لم تتمكن بعد ركض طويل من الإتيان بخطوة أخرى، ظنت أنهت نجت من ذلك المجرم، لكنه استعاد وعيه، و ها هو في أثرهما يصرخ باحثا عنهما بجنون، سقطت على ركبتيها، أنزلت لِيو بحذر، و مددته برفق على الأرض، هاجمت قلبها رعشات قوية، كانت فوق رأسها مظلَّة واسعة شكلتها أفنان شجرة الهاكايا المدبَّبَّة، عانقت ماريغولد الصغير النائم بحزن، و تنهدت كأنها تحشد كل تعب يسكنها في زفرة واحدة، رافعة نظرها نحو أزهار الهاكايا التي تشبه بدبابيسها الرقيقة قنفذا بحريا زهري اللون، ذكرتها بورود بيتها، و دخلت في حالة هذيان، هل هذا دوار أم ماذا؟ لماذا لا تستطيع الوقوف ثانية؟
سحبت نفسا عميقا و سبحت متهادية على رنة صوت والدها: «أنتِ قوية مثل الماريغولد، أخذتِ اسم وردة القطيفة، و عليكِ أخذ صفاتها أيضا، إنها تجابه و تنمو بشموخ في أقسى الظروف، هكذا هي القطيفة، و هكذا أنتِ... يا طفلتي ماريغولد! محاربة!»، تردد صوتُ هارولان في أذنيها بعد ذلك: «لقاء هذه الثقة... كوني بطلة الغابة! لا تتركي يده!» سكنت رعشات قلبها، نكفت دموعها متجالدة، هذا ليس ميعاد الاستسلام و النحيب، لا يزال بمقدورها الوقوف في وجه أعتى المخاطر، مسحت على شعر لِيو مقبلة جبينه، و قرَّرت أن تتماسك من أجله، ستحاول، ستقف مرة أخرى و تناضل لحمايته حتى إن كان ذلك على حساب حياتها.
بلغها صوت الرجل من جديد يدندنُ مقهقها كأن جرح رأسه الغائر أسكره:
"هيا أيتها الساحرة أين السبيل إليكِ! إني أرى الأشجار ترقص... و لكن لا مشكلة! سأجدكما!".
في تلك اللحظة، أفاق الطفل من إغمائه متثاقل الأطراف:
"لِيو! يا صغيري... كيف تشعر؟ أنت على ما يُرام! أليس كذلك؟".
تساءلت هامسة و القلق يأكلها، ثم عانقته و قبلت وجهه بفرح هستيري حين أكدت لها إيماءة رأسه أنه بخير، ليسألها بدوره مجيلا بصره حوله:
"كيف وصلنا إلى هنا؟ آخر ما أذكره أن السائق الشرير قبض علينا، هل خسرنا في اللعبة؟".
أفزعه فجأة وجود دم على راحة يدها، و كدمة صغيرة تكاد لا تظهر على شفتها السفلية، و تابع مذعورا:
"ما هذا؟".
"صه! لا تفزع! هذا ليس دمي، كل هذا جزء من التمثيلية، سنخسر إن ارتكبنا أي خطأ، لذا عليك أن تصغي إلي جيدا، و تنفذ ما سأقوله".
لم تشأ إثارة رعبه، ابتسمت محاربة دموعها و أشارت عليه بالحديث همسًا:
"أولا علينا أن نخفض صوتينا، و نتخاطب بالوشوشة و الإشارات!".
اتسعت عينا لِيو عندما تردد صوت المجرم مُدندنًا:
"أعيدي إلي فريستي يا محتالة! ملايينُ الدولارات تطير بعيدا عني الآن!".

YOU ARE READING
الغضب الأسود
Romanceفسخت ماريغولد خطبتها لتنقذ طفلا صغيرا، لكنها تجد نفسها متهمة بمحاولة خطفه من طرف خاله القاسي! يسجنها راعي البقر هارولان كينغ في إصطبل على أرضه عقابا لها لأنها تجرأت على الوقوف أمامه بكل قوة، لكن ماذا سيفعل سيد قطعان الثيران حين يكتشف أن ماريغولد خطف...