الفصل 16|دُنيا أحضانه

45.4K 2.3K 441
                                        

بلغ الإنهاكُ بماريغولد سقف احتمالها، شعرت بالألم يستيقظ بجراح ذراعيها، و بظهرها بنشق نصفين، و بساقيها خائرتين تعجزان عن حملها هي و الطفل أكثر، لم تتمكن بعد ركض طويل من الإتيان بخطوة أخرى، ظنت أنهت نجت من ذلك المجرم، لكنه استعاد وعيه، و ها هو في أثرهما يصرخ باحثا عنهما بجنون، سقطت على ركبتيها، أنزلت لِيو بحذر، و مددته برفق على الأرض، هاجمت قلبها رعشات قوية، كانت فوق رأسها مظلَّة واسعة شكلتها أفنان شجرة الهاكايا المدبَّبَّة، عانقت ماريغولد الصغير النائم بحزن، و تنهدت كأنها تحشد كل تعب يسكنها في زفرة واحدة، رافعة نظرها نحو أزهار الهاكايا التي تشبه بدبابيسها الرقيقة قنفذا بحريا زهري اللون، ذكرتها بورود بيتها، و دخلت في حالة هذيان، هل هذا دوار أم ماذا؟ لماذا لا تستطيع الوقوف ثانية؟

سحبت نفسا عميقا و سبحت متهادية على رنة صوت والدها: «أنتِ قوية مثل الماريغولد، أخذتِ اسم وردة القطيفة، و عليكِ أخذ صفاتها أيضا، إنها تجابه و تنمو بشموخ في أقسى الظروف، هكذا هي القطيفة، و هكذا أنتِ... يا طفلتي ماريغولد! محاربة!»، تردد صوتُ هارولان في أذنيها بعد ذلك: «لقاء هذه الثقة... كوني بطلة الغابة! لا تتركي يده!» سكنت رعشات قلبها، نكفت دموعها متجالدة، هذا ليس ميعاد الاستسلام و النحيب، لا يزال بمقدورها الوقوف في وجه أعتى المخاطر، مسحت على شعر لِيو مقبلة جبينه، و قرَّرت أن تتماسك من أجله، ستحاول، ستقف مرة أخرى و تناضل لحمايته حتى إن كان ذلك على حساب حياتها.

بلغها صوت الرجل من جديد يدندنُ مقهقها كأن جرح رأسه الغائر أسكره:

"هيا أيتها الساحرة أين السبيل إليكِ! إني أرى الأشجار ترقص... و لكن لا مشكلة! سأجدكما!".

في تلك اللحظة، أفاق الطفل من إغمائه متثاقل الأطراف:

"لِيو! يا صغيري... كيف تشعر؟ أنت على ما يُرام! أليس كذلك؟".

تساءلت هامسة و القلق يأكلها، ثم عانقته و قبلت وجهه بفرح هستيري حين أكدت لها إيماءة رأسه أنه بخير، ليسألها بدوره مجيلا بصره حوله:

"كيف وصلنا إلى هنا؟ آخر ما أذكره أن السائق الشرير قبض علينا، هل خسرنا في اللعبة؟".

أفزعه فجأة وجود دم على راحة يدها، و كدمة صغيرة تكاد لا تظهر على شفتها السفلية، و تابع مذعورا:

"ما هذا؟".

"صه! لا تفزع! هذا ليس دمي، كل هذا جزء من التمثيلية، سنخسر إن ارتكبنا أي خطأ، لذا عليك أن تصغي إلي جيدا، و تنفذ ما سأقوله".

لم تشأ إثارة رعبه، ابتسمت محاربة دموعها و أشارت عليه بالحديث همسًا:

"أولا علينا أن نخفض صوتينا، و نتخاطب بالوشوشة و الإشارات!".

اتسعت عينا لِيو عندما تردد صوت المجرم مُدندنًا:

"أعيدي إلي فريستي يا محتالة! ملايينُ الدولارات تطير بعيدا عني الآن!".

الغضب الأسودWhere stories live. Discover now