قفزت ماريغولد إلى المياه بغير حيلة، و سبحت لوقت طويل مع التيار، لتقفز ثانية إلى شاطئ آخر يفضي للغابة، تمددت على الأرض منهكة القوى، التقطت أنفاسها بصعوبة، و هاجمتها فجأة رغبة عارمة بالبكاء، هل هناك في الحياة ما هو أسوء من طالعها السيء؟ أرادت أن تتضامن مع العمال، لكنها تحامقت، و خاطرت بالحصان، ماذا لو التهمته النيران بسبب رعونتها؟انتابها حدس غريب بأنها مراقبة، كأن مخلوقا ما يقترب منها بمكر، التفتت إلى النهر ففوجئت بتمساح ضخم مرعب يتربص بها، تشنجت و عجزت عن الوقوف بعد الجهد الذي بذلته في السباحة، فارتفعت بمرفقيها عن الأرض الندية، و تراجعت زاحفة بصعوبة إلى الخلف، فيما تقدم المفترس صوبها بإصرار، أوشك على عض قدميها بفكه الحاد عدة مرات، ففكرت أنها يمكن أن تنجو منه، لكن الشجرة الضخمة التي اصطدم بها ظهرها أعاقت هروبها، و بددت أمل النجاة، ظنت أن أمرها انتهى، أغمضت عينيها و قبل أن تستسلم لمصيرها الحتمي، ألقى أحدهم صخرة إلى رأس التمساح فنجح في سحقه، و أسرع يسحب الفتاة ليحميها بين ذراعيه القويتين!
ببطء أبصرت ماريغولد وجه ذلك الشخص الذي أنقذها، لم تصدق أنه هارولان كينغ، تحققت من أنه حقيقي، إنها تلمسه، بل تتشبث بعنقه القوية كطفلة مذعورة، تفرس فيها، فأثرت به نظرة الخوف التي ملأت عينيها الناريتين، و التفت نحو جثة التمساح الهامدة، فركلها بمقدمة حذائه لتسقط في النهر الجاري، و يسوقها التيار بعيدا.
حمل هارولان الفتاة و انطلق بها نحو حصانه، المارد بخير إذن؟ أعملت عقلها و أدركت آنذاك فقط أن الصفير الذي سمعته قبل هروب الحصان لم يكن إلا نداء سيده! وضعها هارولان فوق صهوة حصانه، و ما هي إلا لحظات حتى شعرت بجسده يلتصق بها قويا دافئا و فياضا بالرجولة و الحيوية! غمغمت بغير وضوح ضائعة في سحر اللحظة، ثم استطاعت أن تسأله بعدما تحرر لسانها من عقدته:
"هل سنعود دون تقديم يد العون للرجال؟"
أجابها صمته المطبق، فأضافت قلقة:
"ماذا عن المصابين و من فُقدوا؟".
رد باقتضاب حاد:
"الكل بخير! سيطرنا على الوضع".
أحجمت ماريغولد عن قول المزيد، و تنفست الصعداء لنجاة الجميع و انقضاء الكارثة، كانت تشعر بذراع هارولان مشدودة حول خصرها كطوق أمين، فسبب لها ذلك شعورا غريبا بالإطمئنان، لكن قلقها عاد يضرب أعماقها بلا هوادة فور وصولهما إلى أرض الجياد، إنها تعرف ما سيحدث، سيعاود سجنها مرة أخرى، بل سيتضاعف العقاب هذه المرة لأنها كسرت بوابة إصطبله و كادت تحول مارده الأسود إلى حفنة رماد! أنزلها هارولان بهدوء، و أبقى يديه حول خصرها لبعض الوقت، كأنه لا يريد تركها، تفحصها مليا للحظات بعيون نهمة، ثم أودعها سجنها مرة أخرى، أصلح سدادة البوابة، و غادر دون أن ينبس بحرف!

YOU ARE READING
الغضب الأسود
Romanceفسخت ماريغولد خطبتها لتنقذ طفلا صغيرا، لكنها تجد نفسها متهمة بمحاولة خطفه من طرف خاله القاسي! يسجنها راعي البقر هارولان كينغ في إصطبل على أرضه عقابا لها لأنها تجرأت على الوقوف أمامه بكل قوة، لكن ماذا سيفعل سيد قطعان الثيران حين يكتشف أن ماريغولد خطف...