الفصل 26|جزءٌ من كينغ

44.4K 1.9K 417
                                        

   فوق طاولة الفطور في الصباح التالي، تبادلت ماريغولد مع هارولان نظرات عميقة دامت طويلا، شعرت بالهدوء الذي غلفه و لفَّ قاعة الطعام، و فكَّرت أن أنفاسها يمكن أن تسترخي و تسترسل في رقصات ترنو إليه كما يفعل بخارُ القهوة المتصاعد بينهما، كانت تعلم أنه لم يتخلص من غضبه بعد، لا زال هناك في أعماقه، لا يزالُ جزء منه عالقا في ذلك القبر المفتوح، لا يزال نصفه مغمورا بالظلام كالقمر المُنتصف؛ و رغم ذلك ها هو يضيءُ كل شيء هنا، و يجعل الأثاث يترنَّح، و النجوم تتساقط، و فراشات غريبة تثبُ من العدم لترفرفَ فوق رأسها، و كلما نظر إليها كما يفعل الآن، تتوقف أنفاسها، و يمسكُ قلبها دقاته كأنه... لم يعد قادرًا على النبض!

   أفاقت من أفكارها على رنين هاتفه الخلوي، وضع هارولان شوكته، و أجاب بصوت عميق بينما كانت عيناه تلمعان بشكل ساحر:

"نعم، حسنا، تولَّ أنت إعلام معارفها و أصدقائها، لا يهمُّ العدد الهائل، المزرعة تسعُ أكثر مما تتخيَّل، لا تقلق... سيتكلَّفُ وكيل أعمالي بالباقي، لن ينقص شيءٌ جنازتها... ستحظى بتوديع لائق!".

   أغلق هارولان الخط، و بقي رنين كلماته يراود أذني ماريغولد، لم تصدق ما سمعته، هل حقا قرر إقامة الجنازة؟ ابتسمت له و هي تهزُّ رأسها بفخر، كما لو أنها تقول: «هذا هو عين الصواب!» أو ربما قالت بعينيها: «أترى؟ ليس صعبا أن تكون أخًا من جديد!»، لاحظت أنه يترك الطاولة و يغادر، فلحقت به، و على باب القاعة همست له بلطفها الذي ألفه:

"لن أعمل إذن اليوم، سأتفرَّغُ لمساعدتكم!".

   تمهلت قليلا و هي تنظر ناحية لِيو، ثم استطردت بقلق:

"سأبذل قصارى جهدي أيضا لجعل لِيو يفهم ما يحدث حوله بشكل يُجنِّبه القدر الأكبر من الألم و الحزن، لا أعلم كيف سأبدأ هذا... و لكن... سأحاول التعامل مع الأمر بصبر و حذر!".

   حدقت في هارولان لهنيهة، و تساءلت بخجل مستدركة:

"إذا كنتَ تفضل تولِّي هذا بنفسك و ترفض تدخُّلي بالأمر...".

   قاطعها هارولان بإيماءة ثقة، و صوت هادئ:

"كلا! سأتركُ هذا لكِ، أنتِ في النهاية... جزءٌ من كينغ! و آل كينغ شُجعانٌ يُعتمدُ عليهم في أصعب المهام!".

اختفى من مسرح نظرها، مخلِّفًا بكلماته على وجهها أجمل ابتسامة، و في حنايا صدرها أوسع دفء ممكن، لقد أقرَّ بكل جلاء... و بأكثر الطرق نفاذا إلى الروح... أنها تنتمي إليه... إلى عائلته و بيته، و هذا ما منحها قوة عظيمة لتجيب سؤال لِيو الحائر:

"ما معنى جنازة يا صديقتي؟".

   حزنت في البداية، و كادت تفقد عزمها و تتلعثم، لكنها لمست قلادتها و أغمضت عينيها كما تفعل دوما عندما تتوتر، ثم سحبت ما يكفيها من الهواء، و ردَّت ببطء:

الغضب الأسودWhere stories live. Discover now