رقصت النسمات المشبعة بعطر الملح بينهما، أغرق هارولان يديه في جيبي بنطاله، و انتظر التشبث بصوتها ثانية. كانت تنظر إلى بيتها؛ أو الذي كان! و لم تكن في عينيها سعادتها المألوفة، أشاحت ماريغولد بقلب ممزق عن منظر القطيفة الذابلة، و أولت المحيط اهتمامها مكرهة و هي تتمتم:
"يحزُّ في نفسي قول هذا، و لكن... أشعر أن قلبي و ذكرياتي و ضحكة أبي... و كل شيء جميل قد ذبل معها! كان تأملها هو بوصلة أملى و منبع صمودي... و الآن... لا أحتمل رؤية رؤوسها المنكسة!".
أرسلت ماريغولد بصرها إلى الأفق، تحاكي الشفق الذي بدأ بالذوبان تحت وطأة الأصيل، بينما ابتعد هارولان ليجيب اتصالا على هاتفه الخلوي:
"نعم سيد لي! هل كل شيء جاهز؟ ممتاز! هناك شيءٌ آخر أريدُك أن تقوم به...".
تحوَّلت الكلمات إلى همهمات مبهمة تبتعد شيئا فشيئا، طغت وشوشة الأمواج على صوته حتى اختفى، و سحبت معزوفة المد و الجزر روح ماريغولد إلى سنوات خلت، حين لم يكن شيء ذابل هنا، لا قلبها... و لا القطيفة! استرجعت نفسها أخيرا من بوتقة الذكريات، و حلقت كفراشة خارج شرنقة الماضي، تحققت من ساعة يدها، فلاحظت أن وقتا طويلا مرَّ مُذ أجاب السيد كينغ ذلك الاتصال، ولَّت وجهها شطر البيت، لتراه منحنيا فوق شجيرة الماريغولد يتفحصها باهتمام مذهل!
صعقها من جهة أن عدو الورود نفسه يفعل ذلك، و ذكرها من جهة أخرى بحلم راودها كثيرا في الآونة الأخيرة، رجٌل هكذا تماما... يقف منحنيا على فيراندا البيت مداعبا القطيفة، تجسد فيه جاك موران بشكل عجيب، أهذا والدها بالفعل؟
مارس الخداع البصري عليها ألاعيبه، أدمعت عيناها، و ركضت على الرمال المحتفظة بحرارة النهار متعثرة، بلغت الفيراندا لاهثة، عجزت عن ضبط أنفاسها و هي تضع راحتها على كتفه، كادت تُجزم أنه والدها جاك؛ لكنها الآن... و هو يستدير إليها اكتشفت كم كانت على خطأ، فهذا الرجل و رجل الأحلام أيضا ليسا إلا... سيد كينغلاند العظيمة هارولان كينغ! كيف يعقل هذا؟ كيف يمكن أن يحلم المرء بشخص قبل أن يقابله حتى؟!
تحركت عيناه على تعابيرها المذهولة، و رفع حاجبيه متسائلا:
"ما الأمر؟".
"أنا... هو كان هنا... أعني أنك... أوه! المعذرة سيد كينغ، لا تؤاخذني... لقد تشوش ذهني قليلاً!".
تخلى عن معاينة الشجيرة، و علق بهدوء:
"لأنك تُحمِّلين هذا الذهن فوق طاقته، و تنسين أن هنالك حلٌّ لكل شيء!".
حدق مجددا بالشجيرة و تابع ملتقطا إحدى الأوراق المصفرَّة بين إصبعيه:
"لستُ مزارعا، لكنني أوقن أنها وعكة بسيطة، رأيتُ هذا يحدث لبعض الأشجار على أرضي، و لم يتطلب الأمر سوى بعض العناية و الأدوية!".
أنت تقرأ
الغضب الأسود
Romanceفسخت ماريغولد خطبتها لتنقذ طفلا صغيرا، لكنها تجد نفسها متهمة بمحاولة خطفه من طرف خاله القاسي! يسجنها راعي البقر هارولان كينغ في إصطبل على أرضه عقابا لها لأنها تجرأت على الوقوف أمامه بكل قوة، لكن ماذا سيفعل سيد قطعان الثيران حين يكتشف أن ماريغولد خطف...