الفصل 13|رائحة الأمهات

46.2K 2.2K 507
                                        

كانت اللحظات التي أمضتها ماريغولد على طاولة الغداء بقاعة الطعام مهلكة لأعصابها، تارة تبتسم للطافة لِيو، و أخرى تتسمَّرُ حائرة تحت نظر خاله الذي يتفحصها بتركيز غريب، شعرت أنها تحت المجهر، و لم تستمتع بأي شيء تناولته رغم لذته، كان هارولان يجلس بعيدا جدا عنها، يترأس الطاولة، و يبدو عليه ظاهريا الهدوء، لكن عينيه لم تكونا كذلك، افترسها بتحديقه، و لم يكلّ أو يملّ من مراقبة كل حركاتها، استغربت ذلك، و راحت تحرك يدها و فمها آليا، كأنها تمضغ التبن بدل الطعام، أما هو فلمس صحنه مرتين أو ثلاث فقط، ثم أنفق ما معه من وقت في تأملها.

قضت فترة ما بعد الظهر رفقة ليو و السيد لي في الحديقة، و لم تعرف عن هارولان سوى أن لديه عملا مهما في حضائر البقر، حاولت أن تطرده من أفكارها للشعور الغريب الذي راودها بشأنه، فسألت السيد لي و هي تتجول أمامه بين الأشجار:

"يا لها من حديقة مذهلة! لكن... إفتقارها للألوان المبهجة يجعلها مجرد مساحات خضراء كئيبة".

توقفت عن سيرها، و أضافت ملتفتة إليه:

"لماذا لا توجد أية ورود أو أزهار هنا!".

ترك الخادم فاصلا من الصمت يمر، رفع رأسه و نظر نحو رؤوس الأشجار مفكرا، و كانت عيناه مزجَّجتان حين أجاب أخيرا:

"بعض الأشياء يصعبُ تفسيرها آنستي، ربما سنتعايشُ مع حديقة بلا ألوان لعمر كامل، و ربما سيتغير شيء ما، لا أحد يدري! لكنني... أستبشر بوجودك".

مرة أخرى عجزت ماريغولد عن استيعاب أقوال هذا الرجل، لكنها أحبته، أعجبتها الطريقة الهادئة التي يتحدث بها، و الهوينى الوقورة التي تنتهجها خطواته، و كم راقتها ابتسامته المتسامحة إزاء أسئلة لِيو المحرجة حول أول قبلة و عناق تبادلهما مع زوجته هانا؟ و متى وقعا في الحب؟ و استغربت في الآن نفسه لِمَ تدور تساؤلات الطفل و أفكاره حول الزواج و الأسرة دائما؟ تُرى هل حُرِمَ من مشاهدة الحب بين والديه؟ أم أنهما لم يكونا متحابين؟ ألهذا السبب كان يسأل ما إذا قبلها خاله من قبل؟ أحست نبضا عنيفا يهز يسار صدرها، و حرارة طاغية تشعل وجنتيها، فحركت رأسها ساخرة من تلك الفكرة، و اهتمت بتجاذب حوار آخر مع السيد لي حول المُزارع الهندي غوفيندا الذي كان يهتم بالحدائق قبل وعكته الصحية مؤخرا.

أسقطت هانا قطعا كبيرة من جبن كينغ الممتاز في الصلصة التي تعدها من أجل العشاء، و تساءلت بتأفف:

"هل رأت إحداكن ساري؟".

تفقدت الساعة الجدارية أعلى رأسها و تابعت بحيرة:

"قالت منذ ساعة أنها ستأخذُ القهوة للعمال و لم تعد بعد!".

حركت تِيا رأسها مستسلمة لموجة عياء غريبة، فيما أجابت آديا مغلقة المجلة التي كانت تتصفحها بملل:

الغضب الأسودWhere stories live. Discover now