-48- براءة عذراء

382 36 351
                                    

وقفت شارلوت أمام الكرة التي سجنت طفلها خلف زجاجها الثخين، لم ترد أن تراه أسفلها مجدداً أبداً، لكن شاءت الأقدار أن تسحبه نحو ذلك السجن المظلم أسفل الأرض مرة أخرى وبحال أسوأ مما مضى. اضطروا لتكبيله والتخوف مما قد يفعله عندما يستيقظ من سباته فالحال التي يدخلها لا يخرج منها بسهولة.

أناملها سارت على الزجاج علها تطال وجهه الشاحب وتتلمسه. هبتها تستطيع اقتلاع زنزانته وتحطيمها بسهولة لكنها علمت أنه وبقدر ما كان هذا الحاجز يبعده عنها بقدر ما كان يحميه من آلام الخارج التي لم يتسبب أحد له بها سواها.
"آسفة يا صغيري."
تمتمت باعتذار ألف لسانها طعمه المر. ظنت بأنها لن تتفوه به مجدداً، قامت بالصلاة لآلا تفعل لكن... ومجدداً لكن... لا تسير الأمور كما يشتهي المرء دوماً.

وجدت هواجس الحاضر تستدعي مخاوف الماضي والذكريات. التحديات والمشاعر المتأرجحة بين السعادة الغامرة والبؤس القاهر.

...
"جلالتكِ..."
قام زافير بتقديم انحناءة احترام لشارلوت لكن حين لم تقم الأخيرة بأي حركة أو تنبس بأي رد وآثرت التحديق من نافذة المكتبة نحو الخارج رفع رأسه بنظرة ضيقة، نظرة فضولية عما قد يكون يدور في خلدها.

عقد يديه خلف ظهره واقترب من بقعتها تاركاً بصره ليلاحق خاصتها. كانت تحدق بالجمع الذي احتشد في حديقة القصر الأمامية.
"سمعت أن هيرو سيرحل في جولة حول المملكة لعدة أشهر لكنني لم أدري عن كل هذه الوجوه الجديدة التي سترافقه."
تحدثت بنبرة معتدلة دون أن تحيد بناظريها عن هيروزيوس الذي حافظ على ابتسامة مجاملة لمن حوله من نبلاء مهندمين ونبيلات فاتنات. يدردشون مع بعضهم البعض ريثما كان الخدم يقومون بحمل متعلقات ملكهم نحو المركبة التي ستساعده على التنقل براحة حول مملكته.

"إنها فرصة بالنسبة لهم، فالنحل ينجذب للرحيق السائغ."
أسدل زافير أهدابه الذهبية ونبس بكلماته بخفوت.
"لا أدري ما إن كان الوفاء الأعمى أم صحوتكِ في الوقت المناسب ما حمى هذه الزهرة حتى اللحظة لكن..."
شاهد أناملها بقربها تنقبض على مرأى إحدى السيدات تقوم بتركيز دبوس برونزي تعلق أعلى كتف هيروزيوس قبل أن تتراجع بضحكة قصيرة تدعي فيها الإحراج من تصرفها 'العفوي'.
"إن كانت تذبل بالفعل فمئات النحلات سيردن بسرور إنعاشها."
استطرد وهو يفتح عينيه على مهل ليستشف ردة فعلها فوجدها تبتسم.

"زهرتي ستكون على ما يرام."
أعطته ظهرها واتجهت نحو طاولة دراستها.

"ألن تقومي بتوديعه؟"
سأل زافير من بقعته دون أن يتحرك أما شارلوت فسيرت أناملها على الطاولة الرخامية الطويلة تتفقد عناوين الدراسات والكتب التي ارتصفت كلٌ بدوره أمامها ينتظر أن يتم الإطلاع عليه.
"حدثني بالفعل عن رحيله منذ بضعة أيام."
أجابت.

نيـوتروبيـاDonde viven las historias. Descúbrelo ahora