-5- خلف جدرانهم العالية

6.2K 433 105
                                    

"يجب أن نتكلم."
صوت المقدم البعيد وصل مسامعها ومرة أخرى شارلوت لم تنبس ببنت شفة فما كان منه سوى الإتكاء لباب الغرفة متنهداً.
أغمض عينيه للحظات قبل أن يتحدث مجدداً:
"لا أعرف ما دار بينكِ وبين مصاص الدماء ذاك من حديث، لكن يستحسن أن تكتميه وألا تتحدثي به مع أي شخص. انسيه إن استطعت."

بعثر شعره يمنة ويسرة بحدة وأضاف:
"يجب أن تكوني شاكرة لخروجك من بين ذراعيه حيّة. عندما رأيتكِ محاصرة هناك تلوت لروحكِ معظم ما أعرفه من صلوات."

تكورت شارلوت على نفسها في سريرها كالطفلة الصغيرة في غرفتها الفوضوية المظلمة، الستائر مسدلة رغم أنها الظهيرة، أرادت الإختلاء بنفسها بشدة ولم تستطع بسبب أليجاه الذي مازال يثرثر من خلف الباب.

"لقد رحلوا، والجدار سيتم إعادة بنائه مجدداً خلال أسبوع على أقل تقدير. إن كنتِ مستاءة من خسارتكِ فالتصبحي أقوى واذهبي لقتله."
مجدداً تحدث هو من نقطته البعيدة بهدوء وصبر كاد أن ينفذ لعدم ردها فحين أخرج سيجارة من جيبه تنهد:
"مازال لدي بعض الصلوات التي أستطيع أن أتلوها لكِ حينها."

فتحت عينيها لتحدق بالجدار الأبيض أمامها دون أن تتحرك، حديثه فارغ، ليست واثقة إن كان يحاول تشجيعها بإغاظتها أم ببساطة يخبرها بواقع ضعفها.

لقد رحلوا نعم ولكنهم استطاعوا أخذ أكثر من ثلاثين روحاً فتية معهم واختطاف بعض الأطفال والشباب ليتسلوا بهم، مشهد فظيع وأرقام هائلة، هي التي كانت خارج الجدران تنقذ البشر بسهولة... خلف الجدران لم تستطع فعل شيء، لهذا لم يغمض لها جفن منذ يومان كاملان.

يدها انقبضت على الغطاء القطني بعنف وبحسرة، هي لا شيء أمام ذاك النبيل فالتعترف، من حقه أن يتحدث بتلك الثقة الساخرة. لقد كانت على بعد شعرة رفيعة من الموت المؤكد لكنه اختار تركها ليعذبها باستذكار طعم الضعف والفشل.

"غير مقبول."
تمتمت بقهر.

"أنا راحل، انظري لقرص الشمس بين الفنية والأخرى لكي لا تتعفني."
سمعت أليجاه يتحدث مجدداً قبل أن يتردد لأذنها صدى خطواته تبتعد أكثر فأكثر عن الغرفة حتى عم السكون.

أغمضت عيناها بشدة للإحباط الذي لم تشعر منذ سنوات به، مصاص الدماء ذاك كان محق، هي أقوى من بشري ومصاص دماء عادي ولكن أمام النبلاء هي قطة تحاول خدشهم بمخالبها فقط.

حضر الأخرون، لوسيا، ماي وآلان في محاولة للحديث معها سابقاً لكنها رفضت فتح فاهها والرد عليهم كما فعلت بالمقدم، تجاهلتهم، فما كان منهم سوى الرحيل بصمت.

للحق، تفاجأت بقدوم المقدم المتعجرف بذاته ولكنها أيضاً لم تستطع فتح فاهها لقول أي شيء، ببساطة ليست معتادة سوى على الحديث مع نفسها وهيرو. ثم...هي لا تملك شيئاً ليقال بالأصل.

نيـوتروبيـاWhere stories live. Discover now