-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر

4.7K 351 713
                                    

"جلالتكِ لاشيسيا."
كناريا فتحت فاهها لأول مرة منذ إنطلاقهم في الصباح الباكر وشارلوت همهمت دون أن تحيد بعينيها عن الطريق مشجعة إياها على الحديث.

بأناملها ترتاح أسفل فكها كانت تحدق الفتاة للخارج حيث تسلل النسيم من النافذة الشبه مفتوحة ولاعب خصلاتها الخفيفة.
"هل أحببتِ يوماً أحدهم بطريقة خاطئة؟"
أنامل شارلوت اشتدت حول المقود حين استأنفت كناريا حديثها مستفسرة:
"ألهذا تتسامحين معهم؟"

لمحت شارلوت ماشميا في الخلف تسدل أهدابها بصمت لتعرف أنها لن تساعدها في إجابتها.
"أنا لم أقل أنني 'متسامحة' بالضبط."
أجابت على مهل وهي تتخذ منعطفاً جانبياً عن الطريق السريع لتنخفض أصوات الضجيج على الفور.

"العقاب يُقرر ضمن مجموعة من الأشخاص ولا يعود لي وحسب بحق، كما أن قسوته تقاس بمدى إيذائهم للروح التي أنجبوها للعالم."
أردفت شارلوت وهي تشاهد حقل السنابل الذهبية التي تتموج للرياح يمتد حولهم لمسافات بعيدة.
"إذ يوجد من يتمسكون بها ومنهم من يدعونها للبر الموحش فتتأذى."

"لما الأمر محرم إذاً؟"
كناريا تساءلت أما شارلوت فلاحظت عينيها تميلان نحوها بفضول لتتنهد بأسى وتجيب:
"للطفرات الكثيرة التي ظهرت."

"قرناكِ وسبب معاناتك هما طفرتك لكن بعض أقرانك لا يستطيعون السير أو الكلام. لون بشرتهم أزرق أو جلدهم محروق من الأساس."
أضافت بعد لحظات من الصمت. كل هذه الحالات رأتها قبلاً، بعض الأطفال فقدوا حياتهم بعد بضعة سنوات من معاناة عقيمة مع التشوهات.

"يجب أن يشعر كلا الطرفين بالمسؤولية. التعايش جلب السلام لكن تمازج العرقين لم يجلب سوى الآلم. المشكلة لم تكن بالعاطفة حتى لو كانت خاطئة بل تعلقت بالوعي المهمل."
هذا ما تظنه على الأقل. رؤية طفلك يعاني بسبب إهمالك وضعفك -ولو كانا بأشكال مختلفة عما تتحدث عنه الآن- شيء مؤلم. هي كانت قد أدركها هذا الإحساس.

"مفهوم لكن هذا يجعلني أتساءل، هل من المسموح لشخص مثلي أن يشعر يا ترى؟"
كناريا بدت في نظر شارلوت وكأنها تحدث نفسها فآثرت الصمت. لا تستطيع تقديم إجابة عادلة بحقها.

"لا يهم."
حين أشاحت الفتاة بعينيها نحو الخارج مجدداً شارلوت شعرت بالآسف يتغمدها، إذ أن الفتاة قد تقول بأنها لن تهتم الآن لكنها ستدرك لاحقاً أنها تفعل.

"يبدو أننا وصلنا الحدود."
ماشميا أخيراً فتحت فاهها هاتفة بشيء من الحماس ما أن عبروا لافتة ضخمة مضيئة ترحب بهم وحقول السنابل انتهت.

"تيرابثيا إذاً."
كناريا أخرجت رأسها من النافذة تراقب الأبنية العالية التي لاحت في الأفق البعيد.

"أين نشأتي؟"
سألت شارلوت وتلك عادت مكانها لتربط حزام الأمان وتغلق النافذة المظللة.
"في الضواحي الفقيرة، لم أدخل المدينة قط. منذ أن بدأت أتعرض للمطاردة حتى غدوت أتجول بعشوائية. يوتوبيا أول مدينة ضخمة كنت قد دخلتها."
أجابت وهي تنخفض في مكانها أكثر لتعبس.

نيـوتروبيـاΌπου ζουν οι ιστορίες. Ανακάλυψε τώρα