-23- رؤى

4.3K 378 451
                                    


سار في الممر الفارع وهو يحدق أمامه بحاجبين مقطبين. عيناه تلبدتا بغمامة داكنة. بدا للعيان شارداً، منزعجاً بأياً كان ما يشغل تفكيره.

توقف عنوة تاركاً نور القمر الذي تسلل من النافذة ليتهادى على بشرته الرخامية الشاحبة. دفع بأنامله بين خصلات شعره الحمراء محركاً إياها بعشوائية ثم للخلف.

"شفقة."
غمغم بالكلمة التي عكرت سلاسة الحديث بينهما أكثر عندما خرجت من بين شفاه شارلوت للمرة الثانية. في البداية تجاهلها لكنها الآن تنغص عليه مزاجه. كان غالباً ليتفوه بالهراء مجدداً إن لم يغادرها بسرعة. أراد النفي ولكن لم يجد التبرير الذي سيقوم بالتعويض.

"مساء الخير لشمس مملكتنا."
بصره ارتفع نحو الرجل الذي ظهر قبالته من الظلام فوجد أن حدقتاه العشبيتان راحتا تلمعان كقط الشيشاير العجيب عندما أردف:
"يبدو أنك اعتليت درجات عرشك لتتعثر من أعلى أخرى يا جلالتك."

"ماذا تعني أيها الباحث؟"
هيروزيوس سأل جورج الذي شابك أنامله خلف ظهره وتقدم بخطوات متباطئة نحو ملكه فحياه بإنحناءة بسيطة من جذعه الرفيع.
"يا جلالتك، أنا لا أستطيع إجابتك على كل شيء، خاصة تلك الأسئلة التي يجدر بك أن تبحث عن إجاباتها بنفسك."

"أتراني في مزاج مناسب لسماع ما تتفوه به من طلاسم عندما يتمكن منك العطش؟"
هيروزيوس تنهد عندما قهقه جورج مدافعاً عن نفسه:
"جلالتك يعلم أنني لا أتفوه بالهراء الآن ويحاول تجنب الحديث عما يؤرقه ببراعة، إنها عادة وحيلة استعملتها منذ صغرك ومازالت لا تعمل معي."

"أراهن على أن جيفرسون كان ليقطع عنقك من دون أي تردد ما إن كان قد اكتشف أنك المدرس الذي قام على تنشئتي."
قام جورج بهرش ذقنه الخفيف لكلمات هيروزيوس وهو يعلق بأسف:
"خاصة الأمير لوكسياس لم ينجو من الأمر. كان صريحاً ومستقيماً للغاية."

"إدعاء الجنون مفيد أحياناً."
قهقه جورج على التعليق الذي تلقاه من ملكه وهو يقوم بتسليم ملف إمتلأ بالأوراق له.
"هنا ستجد كل العقارات التي تم بناؤها حديثاً حول العاصمة من قبل النبلاء بغرض جمع البشر والموارد التي تم استهلاكها مع أجرة الأيادي العاملة كما طلب فخامتك."

"بما أن زافير مشغول بما بين أيدينا حالياً... أريدك أن تعتني بأمور البشر هنا بنفسك، فالتبدأ العمل على مشروع 'مينشين' الذي تحدثنا عنه سابقاً."
عينا جورج تلألتا وهو يفرك كفيه ضد بعضهما البعض بحماس.
"أخيراً."
همس.

"ما هو هذا 'الأخيراً' الذي تتحدث عنه الآن يا أبي؟"
ظهرت لاتشيا من خلف والدها. انحنت بأدب أمام هيروزيوس حيث تركت أناملها لتداعب قماش تنورتها فتنسفها في الهواء بحركة راقية.

"عن أشياء رتيبة وأخرى وجدانية، أفتقد جلساتنا الطويلة."
تحدث جورج بنبرة حالمية وكأنه يتذكر أيام مجده ليعرض عنهما هيروزيوس ويتخطاهما قائلاً:
"فالتذهب للعمل."

نيـوتروبيـاWhere stories live. Discover now