القطعة العاشرة

20.5K 518 180
                                    

القطعة العاشرة

======

تايلاند ...

في غرفته بالفندق الذي يقيم فيه منذ خروجه من ماليزيا إلى هنا يقف عابد أمام مرآة الحمام العريضة يتأمل ملامحه بوجه جامد ...

لقد مات أبوه !!

مات دون أن يجد الفرصة لتوديعه أو دفنه ...أو حتى زيارته !!

مات في عملية "إرهابية" كما يسميها "البعض"...

أو "استشهادية" كما يسميها "البعض الآخر"...

أما هو ؟!!

هو ماذا يسميها ؟!!

لا يعرف!

إلى أي كيان صار ينتمي؟!

لا يهم !

ابتسامة سخرية مريرة ترتسم على شفتيه وهو يتذكر أنه كان يتلقى تدريبه ليقوم بعملية -تشبه- هذه !!

الوحوش عديمو الضمير أقنعوه بمكر ساحر أن الضرورات تبيح المحظورات ...

أن قتل الأبرياء صار عبادة ...

وأن إرهاب الآمنين صار جهاداً!!

عندما تلقى صدمة خبر وفاة أبيه كان كالمجنون ...

الغشاوة التي أسدلت على ناظريه انزاحت فجأة ليدرك خطورة الطريق تحت قدميه ...

والسؤال الذي كان يحرق روحه وقتها ...

هل تعذب والده قبل أن يموت أم أن رحمة السماء أزهقت روحه دون ألم؟!

أمه أخبرته في المكالمة الهاتفية الوحيدة التي أجراها معها قبل أن يهرب إلى هنا أنهم وجدوا جثته محترقة !!

يالله !!!

كيف يتعايش مع هذا المنظر ؟!

كيف يسامح نفسه أنه كان على وشك السقوط في هاوية كهذه ؟!!

كيف يغفل عن تقصيره في صلة أبيه في آخر أيامه ليموت ميتة بشعة كهذه بينما هو منغمس في ضلاله القديم ؟!!

خيط من الدموع يسيل على جانب وجهه وهو يتأمل صورته في المرآة...

ينتهي عند حدود لحيته التي تعلقت بها عيناه للحظات ...

قبل أن تمتد أنامله نحو ماكينة الحلاقة هناك ...

صوت الماكينة يهدر في أذنيه متزامناً مع "صوت" إطلاق النار الذي اعتاده في أيام تدريبه القليلة هناك ...

متزامناً مع "صورة" جثة والده المحترقة كما يصورها ذهنه ...

ومتزامناً مع "رائحة" البارود المحترق كاحتراق روحه ...

هل كان حقاً من الحماقة أن يوقن أن ذاك كان طريق "الجنة"؟!!

أيمكن أن يكون "جحيم أبرياء الأرض" سُلّماً ل"فردوس الصالحين" بالسماء؟!!

سينابون .. ج 1 .. ج 2 .. للكاتبة نرمين نحمد اللهWhere stories live. Discover now