القطعة الثانية والثلاثون

18.5K 484 95
                                    

القطعة الثانية والثلاثون

======

_كنت عارف؟!

صوتها الغارق في خزيه ..في خوفه ..وفي يأسه يجعله يلتفت نحوها بنظرة مصدومة ..

لكنه يلقي ما بيده جانباً لينهض متجهاً نحوها بنظرة لا تقل عنها خوفاً وان امتزج بحنانه المعهود ..

نظرة تلقفتها عيناها بما يشبه تشبث الغريق بطوق نجاته ..

قبل أن تشعر بجسدها كله مغموراً بين ذراعيه !

خفقات قلبه تشارك فؤادها جنونه والصمت الثقيل يفرض نفسه بينهما إلا من صوت أنفاسهما اللاهثة ..

يربت على ظهرها برفق محاولاً السيطرة على انفعاله وانفعالها معاٌ ..

ثم يقطع الصمت أخيراً بهمسه :

_لا تخافي ..أنا معك على أي حال ..لن يغير شيئٌ ما بيننا ..أي شيئ!

اليقين الراسخ الذي يلون حروفه كان كل ما تحتاجه لتهدأ خفقاتها الملتاعة قليلاً قبل أن ترفع له عينيها بتساؤلها :

_عارف من امتى؟!

فيغمض عينيه للحظة ثم يعاود فتحهما ليرد سؤالها بسؤال :

_هل هو وقت المصارحة ..لكلينا ؟!

تدرك ما يقصده من خلف سؤاله فتمنحه وعدها الصامت وهي تحاول قدر استطاعتها كتم دموعها كي لا تثنيه عن المضيّ فيما يريد الاعتراف به ..

فيأخذ نفساً عميقاً وهو يدعو الله سراً أن يلهمه قول ما يساعدها لا ما يزيد خزيها هذا .

يحكي لها عن رؤيته لها ذاك اليوم في بيت الشيخ ثم سماعه اعترافها له ..

ثم عن رؤياه التي شاهدها فيها بثوب عروس يناولها فيها طرحتها كي يكمل سترها ..

فتتسع عيناها بصدمة مع سؤالها:

_طول الوقت ده كنت عارف ؟! وقابل ؟!

ابتسامته الرائقة تهدهد خوفها وهو يربت على رأسها بقوله :

_إذا كان الله يرفع عنا الحساب عما استُكرهنا عليه ؟! فمن أنا كي أنصّب نفسي القاضي والجلاد ؟!

ثم يشرد ببصره ليردف بنبرة أكثر شجناٌ :

_ومادام هو وقت المصارحة فلنكشف كل الأوراق ..لا تظنيني بهذه المثالية التي يوحي بها مظهري الملتزم ..يوماً ما كدت أفقد نفسي في طريق قلّ من يعود منه سالماً ..كدت ألوث يدي بدم أبرياء !

تشهق بخوف وهي تتفحص ملامحه بعدم تصديق ليروي لها تفاصيل علاقته بذاك التنظيم الذي كاد يجر قدمه لهذه الهوة السحيقة لولا الحادث الذي أردي فيه والده قتيلاً ..

يزداد تكاثف الدموع في عينيها لكنها لا تزال تقاومها باستماتة ..

وقد كان دورها هي هذه المرة لتربت على ظهره بأنامل مرتجفة وهي تلمح هذا الحزن القاهر على وجهه لأول مرة يلوث سماحة ملامحه المعهودة..

سينابون .. ج 1 .. ج 2 .. للكاتبة نرمين نحمد اللهWhere stories live. Discover now