القطعة الخامسة عشرة

21.9K 546 98
                                    

القطعة الخامسة عشرة

=========

اشتعل الغضب في عينيه وهو يتابع المشهد مصدوماً ....

سارقة؟!!

حفيدة المرأة الصالحة سارقة !!

كان قد حضر لاستفتاء الشيخ في بعض أموره ليسترعي انتباهه في البداية -عبر النافذة -مشهد لجين الجالسة وحدها بملامح واجمة استجلبت شفقته ...

قبل أن يفاجأ بالفاجعة !!!

بريئة المظهر هذه تسرق الشيخ!!

كز على أسنانه بغضب وهو لا يدري كيف يتصرف لتتسع عيناه أكثر وهو يراها تمسح دموعاً تهطل على وجنتيها بحرقة فضحتها ملامحها البائسة !

_عابد ...أنا هنا!

نداء الشيخ من بعيد في ركنه المخصص بحديقة البيت ينتزعه من شرود أفكاره ليتنحنح بحرج وهو يتحرك نحوه بخطوات مهرولة ...

كان الشيخ جالساً فيما يسمونه "تعريشة" خشبية واسعة جعلها محلاً لجلسات ورده اليومي من القرآن

أو

لاستقبال من يريد أن يستفتيه من أهل البلدة ...

ولم يكد يرى ملامح عابد المتجهمة حتى وضع مصحفه جانباً برفق ليسأله بقلق :

_مالك ؟!

تردد عابد قليلاً بينما يفكر ...

هل يستر فعلتها أم يفضحها كي يأخذ الشيخ وأهل بيته حذرهم منها ؟!

لو كانت مجرد سارقة فلماذا كانت تبكي بهذه الحرقة بعدما فعلتها ؟!

حتى ولو كانت محتاجة للمال لماذا لم تستقرض الشيخ بدلاً من سرقته ؟!

لا!

لن تأخذه بها رأفة في دين الله !

لو تهاون هذه المرة فربما تسرق ما هو أعظم !!

لهذا انفرجت شفتاه وهو على وشك البوح بما رآه لكنه لا يدري أي إلهام قذف ذاك المشهد في خاطره ...

مشهده هو عقب وفاة والده وكأس الخمر في يده بينما أحد الغواني تهم بعناقه !

هذا المشهد الذي أنقذه منه "الصالح" وقتها ليعتبره وقتها طوق نجاة وتذكرة لقلب ضل الطريق!!

هذا الذي جعله يعاود إطباق شفتيه بعزم وقد اتخذ قراره بالستر عليها !!

ربما لو عاملها بمنطقه المتشدد القديم لما رضي بأقل من أن تقطع يدها ...

لكنه الآن صار يدرك ما يتعدى "ظاهر" التشريع ليهتم أكثر ب"باطنه"!

لهذا تجاهل الأمر عمداً ليسأل الشيخ في مسألة فقهية كانت تقلقه من فترة وكأنما هي سبب حضوره ...

أشار له الشيخ بالجلوس جواره وهو يستفيض في شرح مسألته لكن ذهن عابد كان منشغلاً بتلك "السارقة الباكية " التي عجز أن يزيحها عن خاطره ...

سينابون .. ج 1 .. ج 2 .. للكاتبة نرمين نحمد اللهWhere stories live. Discover now