تابع

10.8K 464 25
                                    


_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .

قالها المأذون وهو ينهي إجراءات عقد القران في بيت نبيلة ليصافح يامن مروان بحرارة قبل أن يقف ليجذبه في عناق طويل سبق قوله له بمزيج من حزم ورجاء:
_خللي بالك منها .

لكن مروان لم يكن يستمع وهو يشعر بالدنيا تدور من حوله ...
هل هكذا ببساطة تحقق الحلم ؟!
هل صارت حليلته حقاً؟!!
طنينٌ غريب يدوي في أذنيه فلا يمكنه سماع ولا رؤية غيرها ...
هي التي بدت له في هذه الليلة أجمل كثيراً مما حلم بها ...
ترتدي ثوباً عسلياً بلون عينيها ينساب برقة محتضناً تفاصيلها الشهية ،ووشاحاً بدرجة أغمق قليلاً وقد اكتفت من زينتها بطلاء شفاه ذهبي عذب جوارحه المشتاقة لكل ما فيها ...
الحمقاء لم تحدثه بكلمة منذ وصل !
إنها حتى لم تنظر إليه مطرقة برأسها كأنما هي مغصوبة على هذه الزيجة !

الخاطر الأخير أشعره بالضيق ليعقد حاجبيه بقوة وهو لا يفهم حقاً ماذا تخفيه عنه !
لأول مرة يشعر بغرابة تصرفاتها !
لو لم يسمع بأذنيه اعترافها بحبه ل"العاشق المجهول" لما صدق..
والخاطر الأخير يجعله يبتسم بسعادة بعد انعقاد حاجبيه السابق ليتفحص يامن ملامحه قائلاً بمشاكسة وهو يميل على أذنه :
_بتكشر وتضحك في نفس الوقت ؟! لا مش هاستغرب
خلاص بقا...دي أعراض القرب من داليا !

_وهو فين القرب ده ؟! مش شايفها قاعدة بعيد إزاي ؟! دي حتى ما سلمتش عليّ؟!
همس بها مروان في أذنه بسخط ليضحك يامن شامتاً قبل أن ينادي داليا ليهتف بها مشاكساً:

_ياللا يا عروسة عشان تلبسوا الدبل .

احمر وجه داليا وهي تقف لتتقدم نحوهم مطرقة الرأس فاضطرب مروان وهو يجد يامن يقف ليخلي لها مكانه ...
لكن داليا انتزعت الدبلة من مكانها لتلبسها بنفسها مانعة مروان من فعل ذلك !

_ماشاء الله ...العروسة شكلها خجولة قوي!

قالها المأذون ضاحكاً ليميل يامن على أذن مروان هامساً بشماتة ضاحكة :
_قابل يا عم قابل !

بينما كان مروان يغلي غيظاً وهو يراها لا تزال لا تنظر إليه حتى وقد عادت لجلستها البعيدة هناك حيث تجمعت حولها عائلتها تهنئها ...
فيما بقي هو واقفاً جوار يامن وحده فلم يستطع والداه الحضور خاصة مع الخبر المفاجئ !!

_معلش يا مروان ...دلوقت المولد يتفض ويسيبوك معاها لوحدكم ...وساعتها بقى يا حلو ...!!!

أفكاره العابثة تسليه لكنه ينتفض على تربيت يامن على كتفه مع قوله الضاحك :
_هتعرف تلبس الدبلة لوحدك واللا ألبسهالك ؟!
_لا ما انا هالبس ...هالبس يعني!
قالها مغتاظاً بنبرة ذات مغزى ليضحك يامن ضحكة عالية سبقت قوله :
_من ناحية لبست ...فانت لبست فعلاً!

_السلام عليكم .
قالها المأذون وهو يجمع أوراقه ليغادر فتأهب مروان منتظراً أن يتركوها معه وحدهما ...
لكن داليا وقفت فجأة لتمسك رأسها قائلة بوجع مصطنع:
_معلش مصدعة ...هادخل أنام !

_تنام ؟!
هتف بها سراً في استنكار وهو ينظر ليامن نظرة راجية لكن الأخير بسط كفيه باستسلام وهو يراقب عودة داليا لغرفتها التي أغلقت بابها خلفها ليعود ببصره نحو مروان قائلاً :
_نورتنا يا كبير ...والله يا واد وعرفت تنقي!

قالها وهو يخبط على عضده مازحاً لتقول نبيلة بارتباك :
_معلش يا دكتور ...هي فعلاً بقالها كام يوم ما بتنامش .
_أيوة وطلبت مني أقراص للصداع قبل ما تيجي .

قالتها رانيا كاذبة لتدافع عن شقيقتها فالتقطت منها الخيط هانيا لتهتف بسرعة :
_شكلها خدت برد عشان كانت مخففة امبارح .

لكن يامن رمقهن بنظرة تسلية قبل أن يقول لمروان بابتسامة عريضة :
_شكلها بتستهبل!

_يامن!
هتفن بها جميعاٌ باستنكار ليردف يامن وهو غير قادر على منع ضحكاته :
_ياجماعة هو مروان غريب؟! هو عارف إنها طاقّة ...
ثم التفت نحو صديقه الذي أخرسته الصدمة ليردف:
_هه ...تحب تروّح واللا تيجي أعزمك على سينابون
بالمناسبة اللطيفة دي؟!
الشماتة العابثة في نبرته جعلت مروان يلكمه في كتفه بغيظ قبل أن يعتذر منهم بنبرة مهذبة ليغادر تلاحقه ضحكات يامن الشامتة والذي لكزته ياسمين ليتوقف !!!

وفي غرفتها كانت داليا تستمع للحوار خلف الباب المغلق كاتمة ضحكتها بكفها ...
تعلم أنها تثير جنونه لكنها لم تسامحه بعد على كلماته التي قذفها في وجهها تلك الليلة ...
ولا على تخفيه طوال هذا الوقت خلف واجهة مجهولة !!

لكنها شعرت بخيبة حقيقية عندما غادر هكذا بسرعة وكأنما توقعت أن يتوسلها الحضور !!

لهذا زفرت بسخط من نفسها قبله ثم تحركت لتبدل
ملابسها وتستلقي شاردة على فراشها ...
هل غضب منها ؟!
هل سيخاصمها ؟!

_برضه مش هتردي ع التليفون ؟!
رسالته النصية وصلتها لتبتسم كالبلهاء وهي ترد برسالة مكتوبة :
_لا...تعبانة.
_كنتِ زي القمر النهاردة .
_عارفة.
لا تزال ردودها المقتضبة تثير غيظه فاستغل خبرته بها ليكتب :
_بس الفستان كان...وكمان لفة الطرحة...بصراحة...بلاش ...عشان متزعليش.
_كانوا إيه ؟!
كان يستطيع شم رائحة لهفتها المغتاظة في حروفها فضحك ضحكة عالية وهو يعاود الكتابة لها :
_مش وقته انت تعبانة...الف الف سلامة ...بالمناسبة أنا هاروح بكرة الصبح أنقي سيراميك العيادة ...لو هتبقي جاهزة الساعة عشرة هاعدي آخدك...سلام بقا الموبايل بيفصل شحن .
ولم يكد يرسلها حتى أغلق هاتفه ليضحك ضحكة عالية وهو يتصور ردة فعلها على ما كتبه !!
========
_صباح الخير.
قالتها داليا بعبوس وهي تستقل السيارة جواره في الموعد تماماً ليكتم ابتسامته وهو يرد باقتضاب مشابه :
_صباح النور .
لم يتبادل معها كلمة واحدة طوال الطريق مكتفياً باختلاس النظر نحوها ...
وجهها الخالي تماماً من الأصباغ...
وشاحها وردي الألوان..
معطفها الطويل الأرجواني على سروالها من الجينز ...
وأخيراً حذاؤها الرياضي بلونه الوردي الفاقع الذي تتحرك فوقه ساقها بعصبية ...
يعلم أنها قضت ليلتها تفكر في آخر رسالة أرسلها ...
عقاب مناسب لحماقاتها !
ربما لا يكون من الجيد دوماً أن ترتبط بشخص يفهم مفاتيح روحك كاملة !

انقطعت أفكاره عندما وصل بسيارته نحو المحل المنشود فترجلا منها ليتوجها نحوه ...
راودته نفسه أن يمسك كفها لكنه كان يعلم أنها في أعلى مستويات اشتعالها وقد تنفجر في أي لحظة ...
لهذا آثر السلم تاركاً لها حرية اختيار ما جاءا لأجله ...
ولم يكادا ينتهيان ليستقلا سيارته من جديد حتى بادرها بسؤاله بنبرة محايدة :
_تحبي تتفرجي ع العيادة كمان ؟!
_طيب!

قالتها بفظاظة ذكرته بصديقه ابن خالتها فكتم ابتسامته وهو يتحرك بالسيارة نحو مكان عيادته ...
ظهر الاهتمام على ملامحها العابسة وهي تميز المكان ...
بقعة شعبية الطراز لكنها نظيفة ...

البناية التي تحوي عيادته كانت حديثة الطراز نوعاً مما حمسها أكثر لأن تغادر السيارة وتتوجه نحوها سابقة إياه بخطواتها لتتوقف عيناها أمام يافتة بمدخل العمارة تحمل اسمه ...
وقفت أمامها وعيناها تلتمعان بفخر ...
هذا ...زوجها !
غداً سيكون أمهر طبيب في مصر بل في العالم !
هذا هو رجاؤها الذي لن ترضى له بأقل منه !!

_عاجباكي؟!
سألها ملاحظاً برضا خفي لمعة عينيها لترد باقتضاب دون أن تنظر إليه :
_كويسة .
ابتسم رغماً عنه وهو يستقل معها المصعد نحو العيادة التي فتح بابها قائلاً:
_اتفرجي عليها براحتك ...أنا هاستنى العمال اللي جايبين السيراميك هنا .


لم ترد عليه وهي تستكشف المكان بفضولها المعهود الذي خالطه الآن فرح غامر ...
تحمد الله أن المكان لا يزال في طور التشطيب ...
هنا يمكنها وضع لمساتها كاملة ...
سيبدأ هذه المرحلة وهي معه ...
تشاركه كل خطوة فيها !

الخاطر الأخير ملأها حماسة وهي تجوب المكان تتخيل لون الطلاء ...نوع الديكورات ...تصميم صالة
الانتظار ...وغرفة الكشف التي دخلتها لتتسع عيناها بقوة مع مرأى المشهد الذي تطل عليه ...
برج حمام كبير يعلو سطح المنزل المجاور !
هذا المشهد الذي خطف قلبها وهو يعيد إليها ذكريات قديمة ...
يالله!!
هل مضت حقاً كل هذه السنوات ؟!!

غابت في شرود طويل فلم تنتبه للوقت بينما وقف هو على باب الغرفة بعد انصراف العمال يراقبها في وقفتها بعينين دافئتين ...
شرودها الطويل أثار فضوله فاقترب منها بقلبه قبل قدميه ...
أنامله تتجرأ أخيراً لتحط على ظهرها برقة أجفلتها لترفع وجهها نحوه هامسة بانبهارها الطفولي :
_شفت المنظر جميل إزاي؟!

لكنه في هذه اللحظة كان يراها هي و قد احتكرت جمال العالم كله !
وجهها الذي طالما عشق تفاصيله الآن يراه أقرب ما يكون ...
أشهى ما يكون ...
عيناها اللتان تمزجان براءتها بشقاوتها تلتمعان الآن بلونهما العسلي في ضوء الشمس ...
أنفها المنمنم ...
وشفتاها المنفرجتان بانبهارها بما تراه !

_فعلاً...جميل.

همس بها بصوت مبحوح من فرط عاطفته بمراد غير مرادها تماماً ...
لتردف غافلة عما يعنيه :
_كان عندنا في بيتنا القديم واحد زيه ...كنت بطلع له مع ماما زمان .
_عارف.
يهمس بها وهو يقترب منها أكثر لكنها ابتعدت عن النافذة لتشيح بوجهها قائلة بنبرة عاد إليها عبوسها:
_لو خلصت ياللا نمشي .
_لسة زعلانة مني ؟!

يهمس بها ولازال كفه على ظهرها لتطرق بوجهها دون رد ...
فامتد كفه الآخر يحتضن وجنتها ليرفع وجهها نحوه مع استطراده :
_طب اديني فرصة أصالحك .

عيناها تشرقان بشمس عاطفتها ...
وعيناه تومضان ببرق عاطفته ...
شفتاه ترتجفان مع هدير قلبه الذي وجد صداه في قلبها هي الأخرى ...

_أنا عارف إن كلامي كان صعب يومها ...بس أنا وقتها كنت ...

قاطعت كلماته عندما بسطت أناملها على شفتيه قبل أن تحسم قرارها لتنزع عنها وشاحها بحركة مفاجئة تاركة لشعرها حرية الانسدال على ظهرها ...لتهمس بعدها بخفوت :
_ما أصدق قيلاً من شعر امرأة يروي تاريخ عاشقها ؟!

اتسعت عيناه بصدمة مأخوذاً من تصرفها قبل أن ينتبه لكلماتها ...
لا ...إنها ليست كلماتها هي إنها كلماته...
مهلاً...
كلمات العاشق المجهول لا مروان !!!


_انتِ عرفتي؟!
يهمس بها بصوت متحشرج وهو يقترب منها خطوة أخرى لتدمع عيناها وهي تجيبه بصوت متهدج:
_الصورة اللي بعتهالي كان فيها انعكاس للوحة في صالة بيتك شفتها يوم ما جيتلك عشان تساعد يامن ...يوم ما جيتلك الجمعية كان اليوم اللي عرفت فيه الحقيقة...كنت متلخبطة ...كل حاجة متلخبطة...كنت جاية عشان أواجهك وأزعقلك...لا...كنت ناوية كمان أضربك ...بس أول ما شفتك ...أول ما شفتك...

ارتجف صوتها أكثر ليرتعد جسدها معه فربت على كتفها مهدئاً لتردف مسبلة جفنيها :
_افتكرت كل اللي عملته عشاني ...غصب عني لقيتني بحضنك...ماتلومنيش ...جربت تلاقي حلم في خيالك فجأة بقى قدامك لحم ودم ؟!
_جربت.
يهمس بها بنبرة ذائبة وهو يقترب منها حد امتزاج أنفاسهما وقلبه يهدر في صدره حد الجنون ليردف :
_بس برضه مش هسامحك إنك ضيعتي جمال أول حضن بيننا .
ورغم أن حمرة وجنتيها المحترقتين كانتا تفضحان خجلها لكنها لم تستطع مقاومة شقاوة ردودها العفوية :
_ممكن تعوضه .

وكأنه ينتظر إذنها !!!
كفه المستريح على ظهرها يجذبها لصدره ليدفن وجهه بين خصلات شعرها فلا يدري أيهم يشتعل بها أكثر ...
أنفه الذي يتلمس عطرها ؟!
أنامله التي تغوص في شعرها؟!
أم شفتاه اللتان تتراقصان بجنون فوضوي فوق رأسها ووجنتيها لتفقدان رشدهما تماماً أمام شفتيها !!!

هل هكذا يكون مذاق الري بعد الظمأ؟!
شعور الدفء بعد طول برد ؟!
صوت الهديل بعد طول صمم ؟!!
بل هل هكذا تكون الحياة بعد طول عدم ؟!!

_مروان...انت بتعيط ؟!
تهمس بها أخيراً بارتياع بعدما أفاقت من سكرتها وهي تشعر ببلل دموعه على وجنتها لتمسحها بأناملها المرتجفة فيأخذ نفساً عميقاً ليعاود ضمها لصدره بقوة هامساً بصوت مرتجف:
_كنت عارف إن اللحظة دي هتيجي ...بس ماكنتش متخيل إنها هتبقى بالجمال ده .

ارتجف جسدها بتأثره وهي ترفع إليه عينيها التي لم تملك دموعها هي الأخرى:
_كنت واثق قوي كده ؟!
قالتها بمشاكسة حاولت بها مداراة خجلها ليضغطها بين ذراعيه أكثر هامساً :
_مهما عملتِ عمري ما كنت هاسيبك تبقي لغيري.

همساته تهدر كالرعد في أذنيها فتزلزلها بصدقها وحرارتها ...
تود لو تقول أنها تحبه فتخرج منها رغماً عنها بدلاً منها ...

_آسفة...أنا ...آسفة ...

تخرج ممتزجة بدمعها الذي تتلقفه شفتاه بنهَم قبل أن يحيط وجهها بكفيه ليهمس بين أنفاسه اللاهثة :
_مش دي يا داليا ...مش دي ...
تعض على شفتها وهي تدرك مراده لتبتلع غصة في حلقها لتخرجها أخيراً حارة ملتهبة ...
_بحبك .
لم ينتظرها لتكملها وكأنما أبى إلا أن تولد أول وآخر حروفها بين شفتيه هو...
يسمعها منها بطريقته وتعيدها هي بطريقتها ...
فنعم المتحدث والمستمع!!

يبتعدان أخيراً لكن روحاهما تمتزجان ...
تشعر به يرفع كفها الذي يحمل دبلته لينتزعها منه برفق قبل أن يلبسها إياها من جديد بنفسه مع وعود شفتيه التي انسابت دافئة على كفها كله ...ظاهره وباطنه ...
عشرات الوعود التي يتلقاها قلبها قبل بشرتها ...فتلهبه قبل أن تشعلها ...

جسدها يرتعد بانفعاله وهي تراه أكثر مشهد عاطفي تمنته لرجل يلبس امرأة خاتمه ...

_كده ...الدبلة بتتلبس كده .
يهمس بها بصوت لا تدري كيف يمزج قوته بارتعاشه ...
مزيج يبدو أنه لايتقنه إلا عاشق مثله !

لهذا ضمت كفه نحو صدرها لتهمس له هي الأخرى بمزيج دلالها وعشقها:
_أنا كنت فاكرة إني اتغيرت عشان كنت جنبي سواء كنت عارفاك واللا لأ ...بس إحساسي دلوقت بدبلتك في إيدي ...بإني بقيت شايلة اسمك ...ده أكبر سبب مخليني دلوقت عايزة أليق بيك ...عايزة أستاهل كل الحب ده .

ابتسامته تتوج شفتيه وهو يرفع كفها نحو صدره هو هذه المرة ليهمس لها :
_الحب ده تستاهليه من زمان ...مش محتاجة غير إنك تبقي انتِ وبس.

_ممكن أطلب منك طلب ؟!
تسأله بين رجاء وغنج لتمنحها عيناه وعده فتردف :
_ماتحرمنيش منه ...أنا حبيته زي ما حبيتك !

ينعقد حاجباه بدهشة للحظة قبل أن يفهم ما تعنيه ...
لتستطرد هي بنبرتها التي عادت إليها طفوليتها :
_خلليه دايماً يكلمني من نفس الحساب بالفصحى من وقت للتاني ...يسأل عليّ ...أجري عليه أحكيله يومي كله ...وأشتكيله حتى منك لو زعلتني !

أغمض عينيه بقوة لتسيئ فهم ردة فعله فتهتف بانفعال :
_أنا مش مجنونة أنا بس ...
_أنا اللي مجنون يا داليا ...
يقاطع بها كلماتها لتنتهي حروفه بين شفتيها :
_مجنون بيكي .
==========


على اليخت الخاص به وقف حسين يراقب عبر منظاره ...
عملية "الوداع" كما أسماها !!
ابتسامة ظافرة ترتسم على شفتيه وهو يتذكر كيف تمكن من إخراس كل صوت هدد بسقوطه ...
البقاء للأقوى ...
وهو دوماً كان الأقوى!!

لكنه تخير الاكتفاء بهذا الحد من أعماله خلف الستار ...
لن تسلم الكرة كل مرة كما يقولون !

ابتسامته الظافرة تتسع وهو يرى السفينتين هناك تقتربان بحمولتهما ...
بقيت الخطوة الأخيرة ويشرب نخب النصر!

_انت جايبنا هنا ليه النهارده ؟!
تسأله شوشو خلفه بابتسامة رقيقة زادت فتنة ملامحها ليلتفت نحوها قائلاً بلهجة عابثة :
_مش قلتيلي إنك بتحبي البحر ؟!
_جداً .
قالتها بعينين تلتمعان غموضاً لم يفهمه فاقترب منها أكثر ليمسك كتفيها لكنها ابتعدت تمنعه بقولها المتدلل:
_مش قلنا مفيش حاجة قبل الجواز ...هانت كلها يومين ونكتب الكتاب زي ما وعدتني .

ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة من سذاجتها وهو يقارن صورتها هذه بصورتها في أول مرة استقبلها في مكتبه عندما تعمد سكب المشروب فوق ثيابها ...
كيف لحق بها في حمام مكتبه الذي أغلقه خلفه ليبدأ في مغازلتها بما كان واثقاً أنه أطار صوابها ...
يومها تعمد أن يجتذبها بالطريقة الأحب لقلبه ...
ببطء لكن بثبات كما يقولون ...
لهذا اكتفى وقتها بإلقاء الشباك ليتركها تغادر مكتبه محتفظاً بذكرى بسيطة منها ...
وشاحها الذي نسيته خلفها واحتفظ به في درج مكتبه !!

الحمقاء تظنه يحبها ويريد الزواج منها ...
ولا تعلم أنه يعد لها مفاجأة في شقته الخاصة بعد يومين فقد بدأ يشعر بالملل خاصة واشتهاؤه لها يزداد يوماً بعد يوم ...

_أكيد يا حبيبتي ...مش قادر أصبر لحد ما تبقي ...

صوت إطلاق نار قريب يقاطع عبارته لينتفض مكانه قبل أن يرى عدداً من المراكب يقترب منه مع الصوت الذي صدح حوله :
_سلم نفسك يا حسين ....رجالتك وبضاعتك معانا.

عيناه تتسعان بصدمة مع وجهه الممتقع وهو يسمع تبادل إطلاق النار بين الجانبين ...
قدماه تتجمدان وخوفه يمنعه حتى محاولة الهرب ...
وفي ثوانٍ كان محتجزاً بين أيديهم يطالعهم بنظرات مصعوقة لتقترب منه شوشو قائلة بظفر:
_معلش يا حسين بيه...مايقع إلا الشاطر ...



التفت نحوها بنظرة حادة لتردف بابتسامة بائسة :
_كل حاجة كانت محسوبة...من أول تقربي لهيثم عشان يبقى سلمتي ليك ...وبعدين زيارتي ليك في المكتب عشان أزرع جهاز التصنت ...وبعدها انت سهلت بقية
الأمور بطبعك ال(...)!

أطلق سبة بذيئة وهو يحاول التحرر من محتجزيه مهدداً بعبارات صارمة :
_اللي زيي ما بيقعش ...هتدفعوا كلكم تمن اللي عملتوه .
لكنها أعطته ظهرها لتغادر المكان كله بخطوات قتلها حزنها !!
لقد كسبت الصراع ونجحت المهمة ...
لكنها يقيناً خسرت قلبها ...
قلبها الذي تورط رغماً عنها في حب ابن ذاك الرجل ...
"هيثم"!
===========
انتهى الفصل الحادي عشر






سينابون .. ج 1 .. ج 2 .. للكاتبة نرمين نحمد اللهजहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें