Pt1

5.8K 281 173
                                    

يدخل الحرَم الجامعي بِخطواتٍ بطيئة ثقيلة، يزفرُ مفرغاً مافي رئتيه مِن هواء، يشعر بالكثير من التوتر، إنه يومه الاول في هذه الجامعة، لطالما سمع عنها.. وكلما تذكر ما سمعه كُلما زاد توتره.

ابتلع ما في جوفه محاولاً إستجماع لَمامَ نفسه، يجبُ عليه أن يكونَ قوياً متفائلاً، ينشر المرحَ والسعادة بإبتسامته الواسعة التي تشُقُ ملامح وجهه، تماماً كما اعتاد دائماً.






.......

في الجانب الآخر يجلسُ صاحبُ الخصلات الداكنة في مقعده يقرأ كتاباً بهدوء، لا أحد من الطلبة يجرؤ على الاقتراب منه او محاولة الانخراط معه، الفتياة تختلس النظر له يتهامسن حول مدى هيبة حظوره بتلك الهالة التي تحيط به، ذلك الهدوء المرعب المتجسد في شخصيته يجعلهن يرغبن بشدة بأن يتقربن منه، يتراهنَّ حول مَن التي بإمكانها كسرُ حواجزه واقتحامُ عالمه.. لكن في النهاية.. جميعهن يخسرنَ الرهان.




.....

لسوء حظ الاستاذ الجامعي الذي انتقل للتو لهذه الجامعة أن حصته الاولى ستكون في ذلك القسم.. لرُبما سيتمنى بعد تلك الحصة لو أنه لم يتواجد يوماً بين جدران هذا الحرم.. او أنه لم يَكُن أستاذاً يوماً..


دخلَ القسم بإبتسامة لطيفة للغاية.. ليبدأ بالتعريف عن نفسه..

_ صباح الخير ايها الطلبة.. انا الأستاذ 'هوسوك'، سوف أكون المسؤول عن حصص الهندسة هنا.


بعدَ أن عرَّفَ عن نفسه أخذت رماديتاه تدوران في القاعة.. ينظر لوجوه الطلاب واحداً تلو الآخر.. تعابير وجوههم راقته كثيراً.. عدا شخصٍ واحد.. يجلس في الزاوية ويقرأ كتابه وكأن مايحصل في القاعة لايعنيه..

إستغرق في النظر له، ملامحه تبدو هادئة، تماماً كهدوء وسكون حركته.. أبعدَ أنظاره بعدَ أن انتبه لتصرفه ليقرر تجاهُله..

_ حسناً لنبدأ المحاظرة..



......

أخذَ يشرح الدروس لِما يقارب العشرين دقيقة.. حتى سَأِمَ ونَفِذَ صبرُه.. نظرَ بِحدَّة لِمَن أزعجَهُ تجاهلُ محاظرته لكل تلك المُدَّة ليقترب منه بغضب..

وضعَ يداه ضارباً الطاولة أمامَ مقعد الآخر ليجفل جميع الطلبة يكتمون أنفاسهم لما يفعله هذا الاستاذ مع الطالب الذي لا يجرؤون حتى على التنفس أمامه..

_ بغض النظر عن الكتاب الذي انتَ مشغولٌ بقرائته، عليكَ رميهُ حالاً فأنا أشرحُ الدروسَ هُنا!.

تحدثَ صارخاً بغضب، ليتلقى الصمتَ والتجاهُل التام مِن الآخر مما تسبب بإزدياد نيران غضبه..

_ إنني أُكلمك ألا تسمع؟

_ أُستاذ!

تحدثت إحدى الطالبات بصوتٍ منخفض خائف، تحاول تنبيه هوسوك بطريقة ما ألا يعبث مع ذلك الطالب، لكن الآخر لَم يستطع فهمَ الأمر.. او ربما لم يسمع صوتَ همسها المُرتجف.

هو بدلاً من أن يتوخى الحذر، أخذه تهوره لخطف الكتاب الذي بين يدا الآخر لشدة غضبه وقامَ برميه بعيداً..

_ لماذا تتجاهلني! الا تَراني كأُستاذ هنا! هل أبدو لكَ هواء أو كأئناً غير مَرئي؟


رفع انظاره الحادة تجاه ذلكَ الذي توردَ خدّاه لغضبه.. عندما تبادلَ النظر مع تلك الحادتين شعر الأستاذ بوخزة في قلبه، ربما نبضة خوف، أو ندَم على تهوره في يومه الاول..

بالنسبة للآخر أدهشته تلكَ الملامح الفاتنة.. حتى رغمَ غضبه هو يبدو جميلاً بِحَق، خصلاته الوردية تغطي جزءاً مِن عيناه وخداه متوردان للغاية إثرَ غضبه..

الأصغر لم يستطع تبادل النظر كثيراً مع تلك الحادتين.. هما مرعبتان للغاية وكأنه ينظر لأعماقه مباشرةً.. عيناه حالكتا السواد تحيطها هالةٌ غامضة..

أبعدَ أنظاره هنا وهناك هارباً من تلك النظرات التي تخترق أعماقه كالرصاص، يحاول تهدأة نفسه والمحافظة على رباطة جأشه.. لا يريد إبداء أي توترٍ أو ضعف.. فهو لا يريد أن يكون أستاذاً منعدم الشخصية بين طلبته.. إلا أنَّ صوتَ الآخر الغليظ الرجولي حطمَ جميع محاولاته..

_ فالتبتعد!.

_هاه؟

_إبتعد!!.. كونكَ فاتناً لا يعني أنَّ لكَ الحقَ بأن تكون بهذا القُرب.


ضحكاتٌ مكتومة خرجَت من الطلبة لطريقة كلام 'يونقي' الساخرة..

لسببٍ ما إطراء الاكبر لجمالِه جعله خَجِلاً.. لا يملكُ ما يقوله للآخر، هو في الاساس مُرتعب مِما يفعله هنا، مُرتعبٌ من تواجده في هذا المكان.. إلا أنه يحاول كثيراً أن يبدو ذا شخصية قوية.. فقد تم إخباره أن هذه هي الطريقة الوحيدة لكسب احترام الطلبة هنا.. لكنه لا يملكُ فكرةً أن قوته الزائفة هذه ستقوده للتهلكة فهي حتماً كانت في غير محلها.


_سأغفر لكَ فعلتَك بما أنه يومُك الاول، لكن لا أعلم إن كانَ الآخرون سيفعلون.

_ م.. ماذا تعني؟!

صاحب الخصلات الوردية أخذ الخوف يتمكن منه.. هو تلعثم أثناء سؤاله، ليُظهر توتره أمامَ الجميع..


_ فالتعتني بنفسك.

ألقى بنصيحته للآخر بينما يقف آخذاً طريقه خارجَ القاعة.. يسيرُ بخطواتٍ مُهيبة وكأنه يملكُ كُلَّ بقعة أرضٍ يطأُ عليها بإقدامه.




_ أستاذ.. مِن الافضل ألا تعبث معه.

_ لقد ارتكبتَ فعلةً كبيرة أستاذ، أنتَ شجاع للغاية.

_ إبقى بعيداً عنه كما يفعل بقية الاساتذة، من الواضح أنك لا تعرف شيئاً عنه لذلك كنتَ بتلك الشجاعة والتهور.


نصائح الطلبة أخذت تتوالى على الاستاذ الجديد الذي وقفَ مستمعاً لهم يشعر بالذعر مِن فِعلته.

_ ومَن يكون! لماذا له كُل ذلك القَدر.

_ لا نعلم ذلك استاذ، لكننا نعلم أنه يستطيع فصلك من وظيفتك وإغلاق الجامعة إن اراد ذلك..

تحدثت إحدى الطالبات لتقهقه أُخرى مُضيفةً عليها..

_وهذا أهونُ ما قد يفعله لك.. لذلك كُن حذراً.








من تكون يامَن مَلكتَ قلبي؟ Y.Sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن