الفصل التاسع :

34 20 6
                                    

ها قد حل الصباح بعد ليلة ممطرة و من أسوء الليالي التي مرت على حيدر ، كان حيدر على يزال يمشي في الطرقات باحثا عن سمر و لكن اليأس و الحزن قد بدأى بتسلسل لقلبه و قد أصبح موقنا أن سمر قد خطفت من كلام مروان و الحقائق التي أمامه و التي لا يمكن له تجاهلها
جلس حيدر المتعب أمام جدار أحد المنازل المهجورة لقد كانت قرية خالية تقريا من السكان ، فوضع معصمه على وجهه أو بصيغة أدق فقد وضعه فوق جبينه بلمس مساحة صغيرة من بين عينيه المغمضتين و فجأة أجهش بالبكاء
حيدر بصوت باكي و حزين : سمر أين أنت الآن ؟
في الناحية الأخرى كانت مريم جالسة على الأرض متكأة على أحد الحيطان فقتربت سالي منها بتوتر و هي تحمل صنية الطعام
سالي : يا خالة ...
فرفعت مريم عينيها بإتجاه سالي ببطيء لقد كانت نظرات شبه ميتة
سالي : لقد ... لقد أحظرت لك بعض الطعام
مريم : لا أريد
ثم أنزلت عيناها من جديد
سالي بتوتر : و لكن و لكن ستمرضين إن بقيت هكذا فأنت لم تتناولي شيء منذ البارحة و ...
مريم مقاطعة سالي بصوت جاف و حزين و قد سقطت دمعة من عينيها : قلت لا أريد
سالي بعد أن جلست على ركبتيها في مقابلة مريم
سالي : هل تظنين أن سمر ستكون سعيدة إن علمت بأنك لا تأكلين طعامك و أنك تهملين صحتك
مريم و هي تبكي : لا لن تكون كذلك فلطالم كانت فتاة مطيعة و بارة ( فنظرت في سالي بحزن ) و لكن كيف سأستطيع الأكل و إبنتي مخطوفة و لا أعلم كيف حالها ( فأخذت تجهش بالبكاء ) هل أكلت يا ترى أم أنها بقيت جائعة هل تشعر بالدفىء أم أننا تتلوى من شدة البرد
سالي و هي تحاول إمساك نفسها عن البكاء : و لكن كيف ستقابلينها عندما تعود و وجدتك مريضة عندها ستصرخ علي لأني لم أعتني بك و ستحزن ، هيا يا خالة تناولي البعض ليس من أجلي أو لأجلك بل لأجل سمر
فحلمت سالي الملعقة و ملأتها بالحساء ثم قربتها من فم مريم
سالي بعيون مترجية : هيا تناولي البعض
و بعد لحظات فتحت مريم فمها و تناولت الحساء و الدموع تنزل من عينيها ، فبتسمت سالي و بعد بضع ملاعق أبت مريم أكل المزيد
مريم بهدوء : هل علينا أن نخبر الشرطة
سالي بهدوء : لا أظنها فكرة جيدة فإن علم الخاطف فقد يأذي سمر ... و لكن في نفس الوقت لا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي
مريم بهدوء : و لكنه لم يقل شيء بخصوص الإتصال بالشرطة ، لهذا يمكننا إبلاغهم
سالي بعد أن وقفت : هيا لنذهب إذا
مريم بعد أن وقفت بصعوبة : سأجهز نفسي بسرعة و آتي
دخلت مريم لغرفتها و هي تتكأ على الحائط في مشيتها ، رفعت رأسها و أخذت تنظر في الأرجاء فعادت لها ذكرى من زمن غابر ( رجل يفتح الباب بحماس : مريم
مريم بهدوء و هي مستلقية على السرير و رضيع نائم على صدرها : أششش... أخفض صوتك لقد نامت للتو
الرجل بهدوء : أعتذر
مريم : ماذا هناك لماذا كنت متحمس جدا و ما الذي تخفيه خلفك
الرجل و هو يخرج دمية دب رمدية اللون من خلف ظهره بإبتسامة : لقد إشتريت هذه الدمية لسنفورتي الصغيرة ، هل تظنين أنها ستعجبها
مريم بهدوء يظهر منه بعض الإنزعاج : هل تمزح لم تكمل الأربعين يوم بعد كيف ستلعب بدمية زائد ألم تجد لقب أفضل من سنفورة بالله عليك كيف يمكن لشخص أن ينادي هذا الملاك بسنفورة
الرجل بهدوء و هو يضحك : هذا لأن خدود أميرتي تشبه خدود السنافر
مريم بعد أن تنهدت : ألا يوجد شيء آخر تشبهه أكثر من السنافر
الرجل و هو يبتسم : يوجد القطط
مريم بإستغراب : قطط ؟؟؟؟
الرجل و هو يضحك : أجل و هناك الدببة أيضا
مريم بإستغراب أكبر : قطط ، دببة ، هل يجب أن تشبه الحيوانات
الرجل : لماذا تنظرين للأمر بهذا المنظور ، أنا قصدت أنها لطيفة الشكل مثلهم
مريم بهدوء و هي تشير للرضيع : إنظر كيف غيرت جلستها ( لقد كانت ضامة يدها و تضعها أسفل خدها ) لا بد أنها تفكر ما إن كانت تشبههم حقا ، ستسبب لها عقدة يوما ما
الأب بتوتر : أحقا ذلك
فقترب من الرضيعة بسرعة
الأب بحزن : أنا آسف عزيزتي سأناديك بأميرتي بعد الآن
مريم : لا ستصبح مغرورة عندها
الأب بتأفف : بماذا أناديها إذا
مريم : ملاكي الصغير لديها إسم ، إسمها سمر )
فقاطع مريم صوت سالي يناديها : يا خالة ، يا خالة
فلتفتت مريم لسالي مندهشة
سالي : ما الأمر
فوضعت مريم يديها على وجهها و لامست الدمعة المازلة عليه
مريم بهدوء : لا شيء ، فلنذهب بسرعة
أخذت مريم شنطتها و هي ترتدي حجاب أسود طويل و تلف طرحة سوداء هي الأخرى على شعرها الأشقر ، أخذت تخطو بخطوات بطيئة و هادئة بإتجاه الباب و في كل خطورة تمر لحظة من لحظات الماضي بين عينيها ( سمر و هي تمشي على أربع بإبتسامة بريئة تزينها أسنان التماسيح الصغيرة و الظريفة ، لقطة لمريم و زوجها و هم يساعدون سمر على المشي ، سمر و هي جالسة ترسم على الحائط و ما إن نظرت فيها والدتها حتى إبتسمت ببراءة ، سمر و هي تركض نحو أمها عائدة من المدرسة و هي تقول لقد عدت ) أغمضت مريم عينيها بشدة و فتحتها مجددا و قد إختفى كل شيء ، خرجت من عتبت باب المنزل و إتجهت ببطيء نحو مركز الشرطة و سالي تتبعها بهدوء ، فجأة عادت الذكريات لتظهر مرة أخرى ( سمر ببراءة : ماما ، أريد حلوى التفاح الأخضر و حلوى الكرمال من المحل المقابل
مريم بهدوء و إبتسامة : حسنا حسنا سأشتري لك كل ما تريدين ) أغلقت مريم عينيها مرة أخرى و فتحتها فوجدت نفسها بمقابلة ذلك المحل ، و فجأة إقتربت فتاة من سالي و هي تفاديها : سااااالي
إلتفتت سالي ناحيتها بإستغراب
سالي : مرام
لقد كانت مرام فتاة شديدة الجمال بعيون بندقية و حواجب شديدة السواد و هي ترتدي طرحة و حجاب ورديين اللون يتناسبان مع لون خدودها
مرام بعتاب : يا رفاق أين أنتم ، لم تأتيا للمدرسة منذ يومين
سالي بهدوء ممزوج بالتوتر : مرام لقد حدث شيء و لكن لا أستطيع إخبارك الآن بكل شيء سأكلمك لاحقا لأشرح لك
مرام ممسكة بيد سالي بعناد : لن تذهبي حتى تخبريني
من جهة أخرى أخذت تنظر مريم للمحل المقابل لها فرأت خيال سمر و يلوح لها بسعادة و يشير لها بالقدوم ، فأخذت تقطع الطريق و هي تبتسم لإبنتها و فجأة علا صوت زمير السيارة فنظرت مريم له منصدمة ، فلتفتت سالي نحو مصدر الصوت فصرخت بأعلى صوتها و تلاها صوت إرتطام

مشهد آخر : فتحت سمر عينيها بصعوبة من شدة الألم فوجدت نفسها داخل عجلة كبيرة تدور أشبه بعجلات الهمستر و فجأة زادت سرعة حركتها و بدأت سمر بالتقلب داخلها ، و بسرعة قامت بتعديل جلستها و بدأت تركض في العجلة كالهمستر تماما ، و فجأة سمعت صوت ضحك صادر من الخارج فرفعت رأسها و نظرت إليه فلمحت روان خارج غرفة زجاجية و التي من الواضح أنها داخلها
سمر بصوت مرتفع : روان أوقف العجلة ، روااان لماذا تفعل هذا
أما روان فقد إسمتر بالضحك
فمتلأت عينيها بالدموع : لماذا تفعل هذا لي ، هل بسبب ما حدث في الماضي
فسكت روان عن الضحك و ضاقت عيناه و ثم أنزل رأسه يليه تضلل عينيه ، و غادر بعد أن زاد من سرعة العجلة
سمر صارخة و قد كانت على وشك أن تفقد توازنها بسبب زيادة السرعة : روااااااان
من ناحية أخرى
دخل روان لغرفته و هو ممسكا لرأسه و الدموع تنزل من عينيه و قد عادت ذكريات الماضي له مجددا
روان و هو يبكي : هذا يكفي ، أرجوكم يكفي ، فلتخرسو ، فليسكت هذا الصوت من رأسي ، فليسكت
و لكن الصوت والدته التي لطالم كرهها و صوت ضحك الأطفال و هم يأشرون عليه لا يغادر رأسه
روان و قد بدأ الغضب يتسلل إليه : فليخرس ، فليخرس
فأخذ يكسر كل شيء أمامه بدأ يلتف كالمجنون بحث عن شيء آخر ليرميه و لكنه لم يجد فجلس ممسكا برأسه و أذنينه و قد أصبحت عينيه شديدة الحمورة " فلتخرسو " فنظر إلى الأرضية التي تعكس صورته و لكنه لم يكن يرى نفسه بل كان يرى الكثير من الوجوه الغير واضحة منها من تسخر منه منها من تصرخ عليه و منها من تضربه ، فأخذ يضرب الأرضية بكلتا يديه و هو يصرخ " غادروا ، غادروا " فوقف بجوار أحد الحيطان و بدأ بضرب رأسه بقوة و هو يبكي و غاضب في نفس الوقت حتى بدأ رأسه بالنزيف و هو لا يزال يكرر ( غادروا ، غادروا رأسي غادروه ) و بعد دقائق إنهار من شدة التعب .

رزمة من الاسرار ( الموسم الأول ) Where stories live. Discover now