١-العريس المنتظر

1.4K 41 2
                                    

تأتي ليالي الشتاء الباردة حيث السماء الملبَّدة بالغيوم معلنة عن سقوط الأمطار
لتسقط الأقنعة و ترى الوجوه على حقيقتها دون خداع وكما تسقط الأقنعة تسقط جميع الأصباغ والأتربة عن الأشياء فيتلألأ بريقها، ترى جمال بعضها وقبح البعض الآخر دون تزييف، تسقط قطرات المطر لتروي بتلات الآمال والأحلام  للبعض و البعض الآخر تغرق بتلاتهم بالوحل و توأد معها أحلامهم وآمالهم، يظنون أنها نهايتهم ولكنه يظل الغوث، يظل غوثاً من عِند الله تُفتح معه أبواب السماء، لذلك سُميَّ الغيث فهو غوث من عند الله ليُغيث كل من كاد يقتله الظمأ.

تبدأ رحلتنا هنا بإحدى ليالي الشتاء الباردة نستعرض بها الأحداث حتى  تنكشف الحقائق جميعها و تسقط جميع الأقنعة.

بإحدى ليالي الشتاء الباردة، تخلو الشوارع من المارة، كلٌ يختبئ بمنزله من البرودة القارسة، منهم من يتدثر بفراشه ومنهم من يتناول الكعك مع القهوة الساخنة لتمده بالدفء وسط عائلته و رائحة القهوة تمتزج مع رائحة المطر في رقصة على أوتار زخات المطر، يُنشر عبقها و تنتشي أوصال من تعبر رئتيه متناسياً مرارة القهوة ولم يبقى سوى إرتخاء جسده منتشياً و شعور الراحة و السكينة و لكن هناك من سُلب منه الدفء و السكينة و لم يبقى سوى مرارة أشد من مرارة القهوة، هنا حيث يقطن أبطالنا
بإحدى أحياء مصر الجديدة التي تتميز بالمباني ذو الطابع القديم و النوافذ الخشبية الطويلة، عندما تنظر إليها تشعر بأنك تنفصل عن هذا الزمان و تعود لزمان آخر حيث أجدادك و منازلهم التي تُشعرك بالدفء، تتذكر صوت عبد الحليم و عبد الوهاب و وردة و أم كلثوم و حفلاتها كل أسبوع، التلفاز القديم و جهاز المذياغ أو ربما يكون جهاز فونوغرام(جهاز الإسطوانات قديماً)، تنهال عليك الذكريات و الحنين لمجرد رؤية تلك المباني، و هُنا بهذا المبنى يقطن أبطالنا، تدلف من باب المبنى لتجد باب المصعد الحديدي و أبوابه الخشبية على الطراز القديم و تجد على يسارك صناديق البريد الخاصة بكل شقة، تستمع لصوت كلمات أغنية بروائح الزمن الجميل يصدح بالأرجاء:
"كل ده كان ليه....لما شوفت عينيه.....حن قلبي إليه وانشغلت عليه.....كل ده كان ليه.....قالي كام كلمة يشبهوا النسمة في ليالي الصيف....سابني وفي قلبي شوق بيلعب بي...وفي خيالي طيف....غاب عني بقاله يومين...معرفش وحشني ليه....احترت أشوفه فين وإن شوفته أقوله إيه....كل ده كان ليه...لما شوفت عينيه".

بالطابق الثاني تجلس سيدة بعقدها الرابع بالشرفة ترتدي عباءة منزلية و تضع وشاح على كتفيها تتدثر به ليحجب عنها برودة الجو و تضع على خصلاتها حجاب بعشوائية، و رغم أنها مازالت بعقدها الرابع إلا أن قسمات وجهها تدل عن ما عايشته تلك السيدة من هموم وآلام و لكنها مازالت تحتفظ بجمالها و عيونها العسلية رغم ما تحمله من حزن إلا أن بريقهما مازال يخطف العين و يشعرك بالدفء، تستند على سور الشُرفة المُزين بالورود، تستمع لكلمات الأغنية بتأثر و هي ترتشف من كوب الشاي الخاص بها تستمد منه الدفء، برودة الجو و السماء الملبَّدة بالغيوم تُشعرها بغصة مريرة بقلبها تُذكرها بذكرى وأد بتلة شبابها و أحلامها، اغرورقت عيناها بحنين و شوق لأيام سعادتها و براءتها التي انتزعت منها دون شفقة ولا رحمة.

كل ده كان ليهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن