٧-وحوش

307 16 3
                                    

"من ذا الذي يفهم أحزان الفتيات و نزواتهن..؟!"
(دوستوفيسكي).

بمنزل محمد بإحدى المناطق الراقية و هو منزل كبير وفخم ينتمي للطبقة المخملية، يجلس محمد بغرفته التي لا تدل أنها جزءاً من هذا المنزل الضخم رغم مساحتها الشاسعة إلا أنها بسيطة جداً، أثاث بسيط و هاديء، لا يوجد بها سوى فراش و أريكة و مكتب و ثلاجة صغيرة خاصة به و كأن هذه الغرفة هي منزله الصغير، و ما تبقى من الغرفة مخصص لرسوماته و أدوات الرسم الخاصة به، يجلس بشرود يقوم برسم إحدى لوحاته، يصب جام تركيزه بعمله بها، فُتح باب غرفته دون إذن فقلب عينيه بضجر و زفر بضيق ثم قال بضجر:
"مفيش مرة تكون محترم و تستأذن قبل ما تدخل أبداً، هتفضل طول عمرك همجي".

ضحك الشاب واقترب من مجلسه، كان يرتدي بنطال من الجينز وقميص يفتح أولى أزراره، تفوح رائحة عطره بالمكان تخنق الأنفاس، جلس على طرف الأريكة و قال بلا مبالاه:
"كفايه إنت محترم، هنبقى اتنين يعني، كتير في عيله واحده".

ابتسم محمد بسخرية وقال بتهكم:
"على رأيك، كده العيلة تبوظ و سُمعتها تضرب، خير إيه اللي حدفك عليا؟".

تناول الشاب ثمرة تفاح من الصحن الموضوع على الطاولة قضمها ثم أجابه:
"مفيش قولت أشوفك شوية".

طالعه محمد بتشكك فأردف الشاب و هو يحك رأسه بإصبعه:
"بصراحه...أنا خلاص قررت إني هسافر المرة دي بس هستقر في هولندا و هنقل كل حياتي هناك".

ظهرت معالم الحزن على وجه محمد و قال بنبرة متأثرة:
"و هتسيبني؟....مش كفايه إنك سايبني و مسافر معظم الوقت.....".

قاطعه الشاب بضجر:
"محمد متأفورش عادي يعني أكيد ممكن أبقى أنزل أو إنت تيجي و فيه إنترنت يعني هنشوف بعض متكبرش الموضوع".

"و طبعاً بابا وافق عادي؟".

كان هذا سؤال محمد بحزن وأجابه الشاب:
"أكيد طبعاً هو عارف إني مرتاح هناك أو هو أصلاً مش فارق معاه بس المهم إنه وافق و خلاص و هيديني فلوس أبدأ بيها هناك".

أخفض محمد بصره بحزن والتقطه شقيقه فأردف:
"محمد أنا مقدرش أعيش العيشة بتاعتك دي، و لا أفضل أفكر زيك و أعيش في الماضي، خلاص اللي حصل حصل و إحنا عايشين و لازم نتبسط مش هنموت نفسنا يعني، و إنت كمان يابني عيش و اتبسط بقى، غير أوضتك اللي دافن نفسك فيها بفرشها القديم ده، ده أوضة البواب أجدد و أحدث من أوضتك، مش كده يعني فك عن نفسك و عيش".

كز محمد على أسنانه بغضب دفين و ألم جرح لم يندمل يوماً، يشعر بغصة مريرة بحلقة و الألم يعتصر صدره و لم يجيبه، أردف شقيقه يحاول تغيير مجرى الحديث فأردف و هو يشير نحو اللوحة التي يمسكها محمد و يرسم بها:
"دي رسمة جديدة؟".

كل ده كان ليهWhere stories live. Discover now