١٥-يا مسافر وحدك

230 16 7
                                    

"خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كان يسترني
و بان كذبُ ادعائي أنني جَلِد، بكيتُ حتى بكى من ليس مني و نُحتُ حتى حكاني طائرٌ غَرد".
(محمد مهدي الجواهري).

تم رفض حسين تحت رغبة مهجة و بسنت و انصاع يوسف لرغبتهما رغم أنه لا يرى مانع لتلك الزيجة و لكن إذا كانت هذه رغبة بسنت فواجب تنفيذها، خرج يوسف في الصباح بموعد عمله و ما لم تعلمه مهجة أن مواعيد عمله تبدلت و هذا ما رغب به يوسف ألا تعلم والدته عن مواعيده الجديدة كي يكشف أمرها و يتبين لماذا تكذب عليه بأمر خروجها.

انتظر أسفل البناية يتوارى عن الأنظار، ينتظر خروج والدته بعدما استمع لها صدفة تتفق مع براءة خِلسة أن تترك لها هدير إن كانت متفرغة، انتبه لخروج مهجة، سارت و سار خلفها دون أن تنتبه و بداخله يدعو ألا تكون شكوكه بمحلها فإذا كان ما يشك به صحيحاً سيقلب الوسط رأساً على عقب و لن يسامحها أبداً على فِعلتها، استقلت مهجة حافلة صغير و استقل يوسف سيارة أجرة يسير خلفها يتعقبها بعد قليل وصلت مهجة وجهتها و هو مازال يراقبها و لكنه تعجب من وجودها بهذه المنطقة فهذا يعني أن شكوكه خاطئة و لكن ربما تغير العنوان لذلك سيتابع، صعدت مهجة بناية و راقب يوسف لأي طابق صعدت و صعد خلفها و وقف على الدرج ينتظر أن يُفتح الباب ليعلم الحقيقة و جاءته الإجابة لجميع أسئلته، إجابة لم يتوقعها قط بعيدة كل البعد عن ظنونه، لم يتخيل يوماً أن يكون بهذا الموقف و لم تخطر بباله مطلقاً،إجابة مزقته و أدمت قلبه الجريح، استمع لكلمات السيدة التي فتحت الباب لمهجة:
"إيه يا مهجة اتأخرتي كده ليه، وراكي تنضيف كتير لازم يخلص قبل الضيوف ما يجوا".

شعر يوسف بانسحاب أنفاسه و ارتجافة أصابت جسده و استمع لقول السيدة و هي تغلق الباب بعدما اعتذرت والدته:
"برضه مش موافقه تستني تخدمي على الضيوف، هتسيبيني أحتاس لوحدي؟".

"معلش يا ست لميا بس إنتِ عارفه بنتي عيانه مقدرش أسيبها كتير، حقك عليا".

تحجرت العبارات بعيني يوسف لا يستوعب عقله ما يحدث، والدته الحبيبة تعمل عاملة نظافة بالمنازل و هو من يظن أنه يُكرمها و يصونها، يعمل و يتذوق المهانة كي يُكرمها و يعززها و هي تُهان، تُهان و تتذوق الذل و هو على قيد الحياة، كان هذا ما يدور بذهن يوسف و تحرك بهوان يهبط الدرج ثم خرج من المبنى يشعر أن قدميه لم تعد تقوى على حمله فجلس على الرصيف مقابل المبنى ينظر نحو المبنى بخواء، ظل على حاله دون حراك يطالع المبنى حتى وقعت عينيه عليها، رآها بالشرفة تحمل السجاد و تضعه على السور و تنظف النوافذ، تسعل من حين لآخر لاستنشاقها الغبار المتناثر حولها، طالعها بحزن و انكسار و هربت عباراته دون هواده، تنسال العبارات بصمت دون شهقات، ملامحه ثابتة خاوية من الروح.

مرت الساعات و هو على حاله بموقعه تنسال عباراته، خرجت مهجة من المبنى بعدما أنهت عملها بملامح مرهقة و متألمة و لكنها توقفت قدماها فجأة بصدمة و ذهول تراه يقف مقابلها بصمت و ملامح خاوية و عيونه تكسوهما الحُمرة، خرجت من صمتها و قالت بنبرة مهتزة:
"يو.....يوسف....إنت إيه...اللي جابك هنا....أقصد ....إنت مش المفروض في شغلك؟".

كل ده كان ليهWhere stories live. Discover now