١٦-قرار

253 13 1
                                    

"مُرَّةٌ أحرفي فلا تقرأيها و احذري من جنون جاء فيها
إن هذه الدموع عندي لأغلى من كنوز الدنيا فلا تذرفيها
كيف للحزن أن يصاحب وجهاً كان بالبدر و النجوم شبيها".
(محمد جهاد).

تنفس يوسف بعمق عل بعض الهواء ينعش صدره المختنق و يبرد جروحه النازفة جميعها و كأنه كُتب عليه الجرح و المعاناة بهذه الحياة، جلس على المقعد فبات ظهر كلاهما مقابل للآخر لا يفصلهما سوى جدار لعين، جدار يود لو يهدمه و يضمها لصدره ينتزع عنها الألم و يغدقها بعشقه ولكنه عاجز، عاجز حتى أن يعترف لها بعشقه و عاجز عن إنتزاعها من أعماقه، مكبل بقيود العشق مسلوب الإرادة و كيف لا و هي من يُهزم أمام عينيها و براءتها، أمامها تُسحر العيون و يُسلم القلب و يطمئن، أغلق عينيه فهربت عباراته العالقة بأهدابه يستمع لشهقاتها الخافتة المكتومة تمزق ثنايا قلبه دون رأفة بحاله، يضمها بقلبه العاشق حتى و إن كان قلبها لغيره يظل القلب مسكنها الآمن.

أسندت براءة هي الأخرى رأسها مثله تغلق عينيها بألم و كأن جسدها انجذب لجسد يوسف دون شعور.

"يا عبده...هتروح فين دلوقتي طيب؟".

انتبه كلاهما على صوت جارتهما رجاء السيدة المسنة التي تقطن بالطابق الأول مع زوجها، فتح كلاهما عينيه و نهضا يستندان على السور ليتبينان ما يحدث و تفاجأت براءة بيوسف فخبأت رسمتها فوراً بتوتر و أماء كلاهما لبعضهما كتحية ثم عادت براءة بنظرها نحو الأسفل بينما يوسف توتر لالتقاء عينيهما و شرد بها أو بالأحرى شرد بتلك العيون الحزينة آسرته، لا يحتمل دموعها و لو بيده ليقلب الوسط رأساً على عقب و يقتل من تسبب ببكائها و حزنها و ينشب الحروب لأجلها، انتبه هو الآخر لكلمات رجاء و زوجها، رجاء بضحك:
"يا عبده ميبقاش عقلك صغير...إرجع بس و هصالحك".

كان زوجها قد خرج من البناية مستنداً على عصاه فهو رجل كهل يسير بصعوبة و زوجته تحدثه من الشرفة، لوح لها بعصاه و هو يتابع سيره وقال بتحدي:
"مش راجع، خليكِ بقى قاعده لوحدك".

تضحك رجاء على أفعال زوجها و قالت من بين ضحكاتها:
"يا راجل إرجع متفرجش علينا الشارع، الناس هتقول إيه؟".

"هيقولوا طهقت الراجل في عيشته و طفش منها".

هكذا أجابها و ابتسمت براءة رغماً عنها كما يوسف الذي ما إن رأى ابتسامتها شقت الإبتسامة ثغره دون شعور، نظرا لبعضهما و ضحكا عندما وصلهما صوت رجاء بضحك:
"هتطفش فين طيب عشان أبقى أجي أزورك ده إنت عِشرة عمر برضه".

أجابها زوجها بحنق:
"شوف الوليه أقولها طفشان منك تقولي أجي أزورك".

استمعت رجاء لضحكات يوسف و براءة و عايدة التي دلفت الشرفة بعدما استمعت للأصوات، رفعت رجاء رأسها و قالت بضحك:
"انزل يا واد يا يوسف إلحق عمك عايز يطفش و يسيبني".

كل ده كان ليهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن