٤-يا مُعين

399 17 8
                                    

"لا تقترب من ذكرياتك المؤلمة فإنها ستشعل مستقبلك بنيران حزنها"
(وليم شكسبير).

دلف يوسف غرفته و ارتمى على الفراش يشعر ببعض الألم بصدره و حالة إعياء شديدة و بعد دقائق هدأ كل شيء و سكن تماماً، غط في نوم عميق و كأنه فقد الوعي، نهضت والدته من فراشها تتفحص ساعتها وجدت أن موعد قدومه قد مر منذ ساعتين، نهضت سريعاً فقد غفت أكثر من اللازم و قد اعتادت أن تستيقظ بموعده لتستقبله و تطعمه قبل أن ينعس، ذهبت لغرفته وجدته ممدد على الفراش بعشوائية دون غطاء و دون أن يبدل ملابسه، يغط في ثبات عميق، اقتربت منه بحزن تعدل من وضعيته ثم دثرته جيداً، ربتت علي كتفه و قبلت قمة رأسه بحنو ثم توجهت للمطبخ لتعد كوباً من الشاي و تعد الفطور لهدير و قد رحلت بسنت لجامعتها دون أن تيقظها.

وضعت الفطور لابنتها التي استيقظت لتوها و بدأت تساعدها بتناول الطعام و بعدما انتهت وضعت لها بعض من أنشطتها لتنشغل بها و جلست بالشرفة تحتسي من كوب الشاي و بدأ عقلها يعصف بها و شعور الحزن والألم يخيم عليها، تتذكر كيف بدأت رحلة آلامها.

قبل أكثر من عشرين عاماً بذات الشقة التي تقطن بها مهجة، كانت تعيش مهجة مع والديها بها، كانت فتاة بالتاسع عشر من عمرها، فتاة يافعة تضج بالطاقة و الحيوية، مازالت ترى الحياة بألوانها الزاهية، شعرها باللون البني و هناك خصلات باللون الذهبي به كالذهب، بشرتها بيضاء و عيونها زيتونية، هبطت من منزلها متجهة لجامعتها، وصلت وجهتها وما إن رأته ابتسمت ابتسامة واسعة، قلبها يخفق كالطبول فها هو حبيبها في انتظارها و ما أجمل بداية الصباح برؤياه، هرولت نحوه و عندما وصلت قبالته ابتسم لها و صافحها، قالت بسعادة بالغة و عدم تصديق:
"صلاح إنت بجد جيت عشاني؟".

أجابها بنبرة هادئة:
"أكيد، إنتِ قلقتيني بعد مكالمة إمبارح".

تبدلت ملامحها للحزن و التوتر فأردف قائلاً:
"تعالي نروح أي كافيتيريا عشان تحكيلي بالتفصيل إيه اللي حصل".

وافقته و اصطحبها للمقهى و بعدما طلب لهما المشروبات بدأت تقص عليه ما حدث:
"معرفش أنا روحت إمبارح لقيت عندنا ناس، مكنتش أعرف مين دول و لقيت ماما بتقولي ادخلي غيري هدومك و البسي حاجه كويسه عشان تقابلي الضيوف و فعلاً عملت كده و بعد لما مشيو لقيت بابا بيقولي إيه رأيك في عريسك، اتخضيت و مبقتش عارفه أعمل إيه و خصوصاً إن بابا خلاص مبقاش قابل رفضي كل شويه لعريس و مصمم و ماما عماله تقولي قطر الجواز هيفوتك و هي البنت كده يجيلها العرسان مره واحده و لما تكبر شويه محدش يعبرها و هتعنسي و طبعاً بابا موافق على الكلام ده".

لاحظت شروده و الحزن طغى على ملامحه فأردفت تحاول طمأنته:
"بس أنا رفضت و اتحججت بالجامعه و إني على الأقل أخلص السنة دي  و يبقالي سنه واحده بس مقدور عليها.....ده اللي عرفت أعمله و نزلت كلمتك من عند البقال، معرفش بابا بقى هيقتنع بكلامي ولا إيه".

كل ده كان ليهWhere stories live. Discover now