٢٤-قلوب أسيرة

253 12 3
                                    

"و جئت أسألها عما يُكَدرُها
ترد آلامها عني و تُخفيها
ألقت علي كلاماً لست أفهمه
لكن قرأت بدمع العين ما فيها
أنا الذي لو يوماً رأى مدامعها
أقيم من أجلها الدنيا و ما فيها
ما غير صدري لو ضاق الزمان بها
و داهمتها الليالي السود يأويها"
(محمد المقرن)

دلف يوسف الشرفة و استمع لشهقاتها المكتومة، اقترب و رآها مستندة على السور بذراعيها و تدفن وجهها بينهما و صوت بكائها يرتفع رغماً عنها بقهر و ألم، اغرورقت عيني يوسف رغماً عنه و بحركة لا إرادية قرب يده منها بشعور يقتله و رغبة ملحة بضمها لصدره، قرب يده من خصلاتها بروية حتى لامست أنامله خصلاتها و لكنه تراجع و أبعد يده سريعاً بينما براءة لم تشعر به من الأساس مازالت تبكي، وضعت يدها على صدرها موضع قلبها بشهقات و تأوهات مكتومة و ما هي إلا لحظات و تلاشت تلك الأصوات و صدح صوت اصطدام جسدها بالأرض، انتفض يوسف يمد ذراعيه بتلقائية في محاولة منه للإمساك بها و لكنها بعيدة جداً عنه، لم يحظى بين ذراعيه سوى السراب، في تلك اللحظة دلفت بسنت الشرفة و صرخت بفزع تهتف بإسم براءة ثم قالت بذعر:
"طنط عايدة بايته في الشغل، هدخلها إزاي؟".

لم يتردد يوسف لحظة و تسلق السور و بسنت تصرخ به خوفاً عليه:
"إنت بتعمل إيه؟، هتقع...يوسف حاسب".

لم يستمع لها و نقل قدميه على السور من الخارج استعداداً ليقفز بداخل شرفتها بينما بسنت تتمسك به بذعر و قلب يكاد يخرج من صدرها، قال يوسف و هو متمسك بالجدار و يضع قدمه على سور شرفة براءة:
"روحي بسرعة، هفتحلك باب الشقه عشان مبقاش لوحدي معاها".

لم تتحرك و ظلت ممسكة به و عباراتها تنسال حتى استقرت قدميه داخل شرفة براءة فهرولت صوب شقتها بينما يوسف دلف و ركض فتح باب الشقة ثم عاد لها يتفحصها، أقبلت بسنت تهرول نحوهما و يوسف يعدل من وضعية براءة، باءت كل محاولاته لإفاقتها بالفشل و ما أفزعه حقاً رؤية دماء على بنطالها، حملها فوراً يهرول بها بينما بسنت سحبت إسدال الصلاة ترتديه و هي تهرول خلفه.

استقلوا سيارة أجرة و براءة محاطة بهما أو بالأحرى هي محاطة بذراع يوسف الذي يضمها لصدره دون شعور منه، مسد على خصلاتها ثم ضم وجنتها براحة يده يمرر إبهامه على وجنتها و هو يطالعها بقلب مذبوح و كأنه مغيب.

لاحظت بسنت نظراته و لمساته فهتفت بإسمه، إنتبه لها فزجرته بنظرات غاضبة من أفعاله و عتاب، انتبه يوسف لِم يفعل و كأنه استفاق للتو فرفع يده عنها فوراً ثم أمسك بجسدها يبعدها عنه و يقربها من بسنت لتمسك هي بها ثم ضم ذراعيه و ازدرد لعابه لا يعلم ما أصابه و كيف يفقد صوابه لهذا الحد، نهر نفسه و أعرض بنظره عنها حتى وصلوا للمشفى و هو يستغفر ربه، حملها و دلف بها و استقبلها الأطباء ليتم فحصها و بعد قليل خرج لهما الطبيب يطمئنهما بقوله:
"ضغطها بس عالي قوي و ده اللي سبب الإغماء و عندها نزيف وده عرض جانبي ملوش سبب عضوي، واضح إن في حاجه زعلتها قوي و اتسببتلها في كده، إحنا ركبنالها محاليل و هي فاقت هتتحط تحت الملاحظة كام ساعة و بعدين تقدر تروح معاكم".

كل ده كان ليهKde žijí příběhy. Začni objevovat