الخاتمة

9.9K 343 30
                                    

♥ الخاتمة♥ ** معدل **

تنفخ بحنق بينما تضم ذراعيها إلى صدرها تراقب الطريق أمامها وهو يضحك بمرح من حنقها الطفولي إزاء عدم إخبارها عن وجهتهما، لحظات ولاحت لها أضواء المطار الدولي للمدينة، ضمت حاجبيها الأسودين واستدارت إليه متسائلة بحيرة
¤ المطار؟
ابتسم يجيبها 
¤ أنت لست صبورة أبدا وردتي.
ركن السيارة وضم يدها يسحبها إلى مدخل المطار، فأوقفته هاتفة
¤لن أتحرك خطوة واحدة حتى تخبرني عن وجهتنا.
رفع رأسه ثم أنزله زافرا بحنق، يرد عليها
¤ ألم تطلبي أن نبدأ حياتنا بالأراضي المقدسة؟
فتحت عينيها دهشة بينما هو يكمل
¤ حاولت جاهدا لأتدبر أمر زيارة لمدة أسبوع والحمد لله توفقت.
هتفت ورد بعدم تصديق 
¤ ليث حبيبي هل جننت؟ افتتاح المعرض وعرس محمود الذان سيقامان بيوم واحد، هل تذكر ؟
أجابها بنفاذ صبر يهز رأسه
¤أذكر جيدا حبيبتي، بعد عشرة أيام يعني سنعود قبل يومين إن شاء الله.
زفرت ورد بيأس، تجيبه
¤ يا ليث! افهمني! ..أنا من يساعد فاطمة إن كان بالمعرض أو عرسها.
ابتسم بثقة يكتف يديه وهو يرد
¤ لا تخافي، تدبرت الأمر.
ضمت ملامح وجهها ريبة فأكمل
¤ طلبت من سهى مساعدة فاطمة في باقي ترتيبات العرس،  طبعا مع والدتك أما الدار فطلبت من سيدة أثق بها كان لها نشاطا من قبل وتجربة ...أنت تعرفينها جيدا ...الخالة هناء ...و لمار أيضا  وجدتي تطوعتا حتى أمي أتصدقين؟  جمعت لك فريقا ما كنت لتحصلي عليه .....لذا لا حجة لك.
زفرت من أنفها بينما تقلب شفتيها ثم سألت
¤ دفعت التكاليف؟
أومأ ببراءة مزعومة، فقالت مستسلمة
¤أمري إلى الله.
لمحته يجر حقيبة ما سحبها من حقيبة السيارة، سألته فأخبرها بأنها ملابس لهما سيرتديانها بعد الاغتسال في الميقات للإحرام.  أنهيا إجراءات السفر وانتظرا موعد إقلاع الطائرة وبعد سبع ساعات في الطائرة وصلا  مكان ميقاتهم ليغتسلا ويحرما ثم توجها إلى الحرم، ما إن لمحت البيت الحرام، تسمرت مكانها واقشعر بدنها وليث لم يختلف عنها، كلاهما يصيبه البهوت أمام الكعبة المشرفة، فلأول مرة يريانها على أرض الواقع، الكعبة الحبيبة قبلة كل مسلم ومؤمن بالله، قبلة كل من ضاقت به الدنيا وسدت عليه الأبواب يظل بابها مفتوحا بأمر من الله، الوجهة التي جعلها الله قبلة لكل ناصية أراد صاحبها الوقوف بين يدي خالقه،  دون وسيط مجرد نية وطهارة ثم "الله أكبر"، فيقف أمام خالقه يسأله ما شاء، يذكره كما يليق بوجهه الكريم، ويعبر عن حبه له كما شاء، فقط بينه وبين خالقه صلة شخصية لا يتدخل بها أي غريب كائنا من كان.
شل تفكيرها تحاول تذكر الأدعية عبث وكأن ذاكرتها طُمست، فرفعت يديها بقلة حيلة تسأل ربها أكبر همها
¤ اللهم ارزقني جنتك من غير سابقة عذاب ولا حساب.
التفتت إلى ليث بملامح مدهوشة علّه يذكرها، فهالها رؤية دموعه التي ملأت وجهه، يبحلق بالكعبة فاستحت أن تقاطع عليه خشوعه أما هو فلا يعلم ما به كأنه لم يكن حيا يتنفس، كأنه لم يكن يعيش على الأرض، يتساءل عن عظم جمال وهيبة البيت الحرام، أحس بوجل ممزوج بخجل من ذنوبه،  فبكى دموعا حارة كطفل صغير يناجي ربه من مكانه ليغفر ويعفو عنه،  هو العفو الكريم الذي لا ملجأ و لا منجى  منه إلا إليه، فيجتاحه رجاء وأمل لا ينقطع ما دام رب السموات والأرض حي والحمد لله هو الحي الذي لا يموت.
حاول تمالك نفسه و تلا الأدعية ثم استدار إليها ليجدها على نفس حاله ليمسك يدها، فنظرت إليه وابتسمت له من بين دموعها، ذكرها بالأذكار ثم  شرعا بقضاء مناسك أول عمرة لهما.
عادا إلى الفندق يلهثان من تعب الأبدان في الرحلة ثم قضاء المناسك لكن بقلوب صافية،  طاهرة،  مشبعة براحة وطمأنينة الإيمان، تناولا طعاما ثم ألقيا بجسديهما ينشدان بعض النوم وليستعدا ليومهما الثاني الذي مر على نفس المنوال حيث قاما بعمل عمرة عن أحبتهم الذين واراهم التراب، يدعوان ربهما بكل صلاة،  أن يغفر للأحياء والأموات، وأن يبارك زواجهما ويرزقهما الذرية الصالحة وبعد أن ودعا الكعبة ببكاء كما استقبلوها يرجوان الله العودة قبل الممات رحلا إلى المدينة المنورة تلك الطيبة التي  تستقبل ضيوف الرحمن بريحها وعبقها الطيب وكأبنائها أصحاب القلوب الطيبة، أولئك الذين آووا ونصروا حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام،  توجها إلى المسجد النبوي، ليصليا في الروضة الشريفة،  التي حرص الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يصلي بها المسلمون لكونها روضة من رياض الجنة ثم اقتربا من قبره عليه أفضل الصلاة والسلام حيث بكيا دموعا غزيرة كما فعلا أمام الكعبة المشرفة، بكيا رحمته التي تفتقدها الأمة حاليا وحلمه بالعباد عليه الصلاة والسلام  ...ألقيا  عليه السلام بخفوت ثم سألا الله له الوسيلة والفضيلة وأن يبعثه المقام المحمود الذي وعده وأن يفوزا بشفاعته يوم النشور.
في اليومين الأخيرين حاولا زيارة شتى الأماكن الطاهرة، مسجد قباء والبقيع ومقبرة الشهداء التي تضم عددا كبيرا من أصحابه رضي الله عنهم و أرضاهم.
وقفت على الشرفة تتأمل أضواء المدينة، تغمض عينيها تستنشق أنفاسا عميقة تشم الرائحة الطيبة، شعرت بدفيء يغمرها، فكان زوجها يحضنها من خلف ظهرها، يهمس لها بالقرب من أذنها فوق الطرحة
¤ماذا تفعلين وردتي؟
أسندت نفسها إليه لا تزال مغمضة العينين تقول بخفوت
¤ لم يدخل أنفي قط رائحة أطيب من رائحة هذه المدينة.
ابتسم يجيبها بهدوء يتنهد
¤ طبعا، فهي طيبة.
صمت قليلا ثم استدرك
.¤ألا تريدين النوم؟
توالت ضربات قلبها تتمتم
¤ن...عم..
ابتسم حين شعر بأطرافها المشدودة، فهمس برقة
¤ أريد أن أطلب منك شيئا ما.
التفتت إليه متسائلة فقال
¤ أطلقي شعرك من عقاله فأنا لم يسبق لي أن رأيته مفرود.
رفعت يدها بتوتر، فأمسك تلك اليد باسما ينبهها 
¤ ليس هنا.
رافقته داخل الغرفة حيث راقبها حتى أزالت طرحتها وحررت خصلاتها الكثيفة كالليل البهيم، مد يده وأمسك بخصلة يتتبع طولها إلى أسفل الخصر بقليل ثم دس يده الأخرى  داخل جيب سرواله، يخرج سلسلة ذهبية  تتدلى منه وردة جورية صغيرة والتف حولها يلبسها إياها، تلمست الوردة مبتسمة تقول
¤ إنها رائعة!
بادلها بسمتها الودودة يقول
¤ لا تزيليها عن عنقك أبدا، فهو ليس فقط حلية بل به جهاز تتبع حبيبتي.
هزت رأسها بإعجاب تعلق بتهكم مرح
¤ عمل مخابرات!
أسرعت دقات قلبه، فاقترب منها وهي جامدة مكانها،  تنتظر خطوته التالية بذهن متيقظ.
مرغ وجهه بشعرها يتحرك بروية حتى لمس أذنها يهمس مهدئا قشعريرتها
¤لا تخافي مني ورد ...لن أؤذيك أبدا.
شهقت بشدة تشعر بأن الهواء في الغرفة لا يكفيها لكنها ليست خائفة،  بالعكس هي تشعر بسلام داخلي لم يسبق لها أن أحست به، ضمها إليه بحب ثم اقترب من أذنها من جديد  يهمس لها الغزل كلمات يرافق بها احتواءه لها حتى استسلمت وسلمت له تحقق حلما كان يوما من دربا من دروب المستحيل.
*******
أيقظها المنبه ولم تستطع فتح عينيها من شدة رغبتها بالنوم  لكنها فتحتهما على مضض فيجب أن تقوم لصلاة الفجر، شعرت بثقل على خصرها، فأنزلت يدها تتفحصه لتشعر بخشونة، لتنساب الذكريات تغطيها باحمرار الخجل، لا تصدق كيف تجاوبت معه وتجاوزت كل مخاوفها، ابتسمت لرقته وكيف كان يهمس بخفوت كلمات طمأنتها وجعلتها تستشعر سحر الأحاسيس. التفتت بروية تتأمل وجهه الهادئ القسمات بملامحه الساكنة ومدت اصبعها بتردد تتحسس بها جبهته العريضة نسبيا،  ورفعت خصلات تمردت إلى مكانها، تفكر بأن شعره استطال عن أول مرة رأته فيها، لمست حاجبيه الشقراوان ثم أنزلت رأس اصبعها على طول أنفه إلى أن بلغت شفتيه فتوقفت، تبتسم بحياء وحين همت بلمسهما شهقت بخفة مجفلة
¤ لماذا توقفت وردتي؟
همت بالابتعاد، فطوقها في غمضة عين وأصبح يشرف عليها هامسا برقة
¤ صباحك مبارك يا عروس.
أطرقت  بعينيها خجلا فهوى على خديها يلثمهما مكملا
¤ أعشق حمرة الخجل على وجهك.
همست بتوسل
¤ ليث!
فرد عليها مرحا
¤عيون ليث.
احتقن وجهها أكثر فأشفق عليها يطلق سراحها ضاحكا بسعادة لم يعلم يوما أنه سيعيشها.
********

سلسلة الأزهار و الزمن ..أشواك ♥ورد... ج 1 .. بقلم منى لطيفي"نصر الدين"Where stories live. Discover now