الفصل الأول 💙

26K 309 4
                                    


كلمة " حب " سماء شمسها اللقاء ، وقمرها العناق ، ونجومها الذكريات ، وسحبها الدموع ، كلمة " حب " إشراقة من عالم الملكوت ، وإطلالة من ديوان الخلود ، ووقفة في بساط العظمة ، من استظل بسمائها اتّقد شوقه وتدافع خاطره..
                 ***********
نعود بالزمن للوراء منذ ثلاث سنوات..
فتاة يافعة فى الخامسة عشر تحمل حقيبتها المدرسية على كلتا منكبيها وهى تجرى بفرحة عائدة من يوم دراسى انتهى مثل المعتاد ، دلفت من باب قصر عائله حسان
الشناوى ، هذا القصر الذى بناه صاحبه بمال يجنيه كل يوم بعد عمل شاق حتى انتهى من بناؤه ، دلفت لتجد والدتها تقف فى المطبخ تعد الطعام.
أمسكت أمها من وجنتيها تسأل بمرح:
اذيك يا مامتي يا حبيبتى؟!!
ابتسمت فريدة بحنو وأجابت:
الحمد لله..عملتى إيه النهارده فى المدرسه؟!
أجابتها بسعادة ممزوجة بالفخر :
كان النهاردة فى امتحان فيزيا وأنا الوحيدة اللى قفلته الحمد لله.
قالت فريدة تشجعها :
شطورة يا حبيبتى..حافظى على مستواكى ده علشان توصلى للكليه اللى إنتى عايزاها.
وافقت الفتاة بإيماءة من رأسها توافق على حديثها:
إن شاء الله.
ثم استطردت متساءلة بلهفة :
اومال رامى بيه فين!!
رمقتها فريدة بدهشة لتحذرها بقولها :
رغد..أنا عارفه إنك بتحبى رامى بيه وده مينفعش..هو مش من مستوانا..هما إيه وإحنا إيه!! إحنا مش قدهم يا بنتى الله يخليكى..اقتلى الحب ده قبل ما يكبر..سميرة هانم لو عرفت ممكن تطردنا من هنا وإحنا مالناش مكان للعيشه غير هنا..فاهمة يا رغد.
ابتلعت رغد غصة كادت تخنقها فى حلقها قائلة بحزن:
فاهمة..أنا هروح أغير وهاجى أساعدك.
أجابتها فريدة وهى تتجنب النظر إليها:
ماشى.
ذهبت رغد إلى الغرفه التى تأويها هى ووالدتها ووالدها ، غرفة جميع الأثاث بها متهدرء قديم على خلاف أثاث القصر الراقى ، يوجد بها سريرين متجاورين و دولاب فى أحد جوانبها ، مرفقة بمرحاض صغير.
جلست رغد على سريرها تتنهد بمرارة وهى تسترجع كلام والدتها
" اقتلى الحب ده قبل ما يكبر "
لتهمس بألم:
أيوه يا ماما عندك حق إحنا مالناش مكان للعيشه غير هنا..
هبطت دمعة يتيمة من عينيها متشدقة بحزن وهى تنظر لسقف الغرفه:
بس أنا بحبه أووى مش عارفه إمتى وازاى !!
زفرت بحرارة قبل أن تقوم لتحضر ملابسها المكونة من بنطال جينز ثلجى اللون وعليه تيشرت رمادي ، وجاكيت شتوى قديم بعض الشيء ، عقصت شعرها بالرباط الخاص بالشعر لتنسدل بعض الخصلات متمردة على جانبي وجهها ، ثم ذهبت لتساعد والدتها.
سألت رغد  والدتها ونبرتها قلت حماسة عن السابق:
هو بابا فين ؟!
نظرت لها فريدة وقالت بخفوت:
راح يجيب حسان بيه من الشركة.
****************
فى الحديقة المرافقة للقصر التى على الطراز الفرنسي ، يمتاز هذا النوع من الحدائق المنزلية بالبساطة والهدوء ، إذ إنّها لا تضم أعداداً كبيرة من الأشجار وأحواض الزهور إلا أنّها تحتوي على النجيل الأخضر الذي يغطي الأرضية كاملةً ، هذا بالإضافة إلى بركةٍ للسباحة ، ومكان مخصّص للجلوس والاستمتاع بالوقت مع العائلة والأصدقاء ، تجلس سيدة على أرجوحة توجد فى أحد الجوانب المكشوفة فى الحديقة وتلتقط بين أصابع يدها مجله بها آخر صيحات الموضه ، لرغد أخ فى الخامسه من عمره يسمى بصهيب ، كان يمرح ويجرى ويلعب ويقطف أحد الزهور وما إن رأته هذه السيدة حتى أخذت تنهره بشدة ، ولم تفكر بأنه طفل صغير يريد اللعب وفقط..!!!
سمعت رغد صوت بكائه من المطبخ لتخرج بسرعهة إليه فرأت صهيب يبكى بعنف وتلك السيده لا تزال تنهره لتحتضن رغد أخيها تصيح بعصبية بالغة :
هو عمل إيه علشان حضرتك تزعقيله كده!!
زمجرت السيدة بغضب جم:
إنتى إزاي تسمحى لنفسك إنك تزعقيلى كده..إنتى نسيتى نفسك ولا إيه يا بنت الشوفير!!!
ابتلعت رغد هذه الإهانة الحادة وحاولت التقليل من انفعالها وهى تستغفر بسرها حتى أتت والدتها لتزيد من الطين بلة بتعنيفها لرغد قائلة بحزم:
رغد..اعتذرى.
نظرت رغد لوالدتها بدهشه وهتفت:
يا ما....
قاطعتها فريدة قائلة بإصرار على
تقديم التأسف:
أنا قولت اعتذرى حالا.
خفضت رغد بصرها أرضا لتحمل أخيها وهى تمسك دموعها بصعوبة من الهطول تقول : أسفه.
ودلفت للداخل سريعا من أمامهم.
تأسفت فريدة بحرج :
مش هتحصل تانى يا سميرة هانم.
أماءت سميرة وقالت بنبرة تظهر فيها التكبر بوضوح للسامع:
روحى كملى شغلك.
طأطات فريدة رأسها تومأ بها :
حاضر يا هانم.
ذهبت للمطبخ لتجد رغد تبكى وهى تضع صهيب على قدمها ، أشاحت رغد بوجهها عن والدتها لما دلفت إلى المطبخ ، اقتربت فريدة منها تطيب خاطرها وهي تشعر  بالأسى:
رغد..متتعصبيش عليها كدة تانى.
هتفت رغد باستنكار ممزوج بجزع:
إنتى مشوفتيش هى كانت بتزعق لصهيب ازاى !! ده ولا أكنه طفل عنده خمس سنين.
باشرت فريده فى التمسيد على ظهرها بحنان قائلة تبتلع ما حدث:
معلش يا بنتى اللى زينا لازم يستحملو علشان يعيشوا..ودى أخوكى ونيميه وتعالى علشان نكمل الأكل.
انصاعت رغد لها وهى تتوعد لسميره:
ماشى يا ماما.
مر الوقت ليأتى حسان صاحب القصر وابنته راندا فى السنة الثانية في كلية الصيدلة ، ورامى الإبن الأكبر.
ترأس الطاوله حسان بجانبه من الجهه اليمنى سميرة التى تجلس بشموخ فاحش وبجانبها رامى بينما على الجهه اليسرى تجلس راندا ، كانتا رغد وفريدة يحملان الأطباق من المطبخ إلى السفرة أما لوالد رغد يسمى بعمار ، كان جالسا على طاولة صغيرة هو وولده صهيب فى جانب من المطبخ وكان بإنتظار زوجته وابنته حتى يتناولو غدائهم ، انتهتا فريده ورغد من وضع الأطباق فهمتا بالذهاب للداخل ليستوقفهم حسان قائلا بابتسامة صافية :
فريدة نادى عمار وتعالو اقعدو معانا على السفرة.
جحظت عينا سميرة بصدمة ورامى أما بالنسبة لرندا ففرحت بطلب أبيها هذا ، تبادلت فريدة النظر مع رغد بدهشة لتهتف فريدة بتردد:
بس يا حسان بيه..
قطع كلامها قائلا بحزم:
مفيش بس أتوا أطباقكم وتعالو اقعدو معانا يالا..
ثم استطرد بلهجة مازحة:
بس بسرعة لحسن فطسان من الجوع.
ابتسمت رغد ووالدتها وذهبتا لإحضار أطباقهم وإخبار عمار ، بينما على السفرة ..
صاحت سميرة بتعجرف كالعادة :
إنت ازاى تسمح لشوية خدم ميسوش يقعدو معانا على السفرة!
تنهدت راندا بحزن من تكبر والدتها ليجيبها حسان بهدوء وتروي :
يا سميرة هانم دول مش خدم زى ما انتى بتقولى دول بشر زيهم زينا بيشتغلو وبيخدو رزقهم..وبعدين هو حضرتك نسيتى الماضى ولا إيه؟!
جزعت سميرة تهتف بدهشة:
إنت بتعيرنى يا حسان!!
نفي حسان بابتسامة ساخرة :
لا مش بعيرك..بفكرك بالأصل بس.
غلى الدم بعروق سميرة فقامت وهى تدب الأرض بكلتا قدميها وذهبت
لغرفتها ، قالت راندا لحسان بإستعطاف:
بابا معلش إنت زودتها معاها حبيتين.
قال حسان والحزم هو الأساس فى نبرته بجانب ملامحه الجدية :
يعنى مش شايفه اللى بتقوله!!
تنهدت راندا وأجابت :
معلش يا بابا..ابقى راضيها.
قال حسان بضيق:
حاضر..قفلى على الموضوع بقا علشان جم.
جلست فريدة بجانب رغد التى جلست بجانب راندا ، أما بالنسبة لعمار جلس بجانب رامى الشارد الذى لم ينتبه لأى شيء مما حدث منذ قليل ، عاملهم حسان كأنهم أفراد من هذه الأسرة ومن أصحاب القصر ، وليس بمجرد أنهم الخدم ، وبعد أن انتهوا جميعا من تناول الغداء قاموا لتضع رغد وفريدة الأطباق فى الحوض وتباشر فريدة فى غسلهم بينما رغد جهزت الحلويات والمقبلات ووضعتهم أمام حسان ورندا ورامى ، ابتسمت رغد لرامى ببلاهة عندما رأته ينظر لها ، وهنا وجهه حسان لرغد حديثه قائلا:
رغد فى أوضة هتبقى ليكى..الأوضة اللى جمب اللى انتوا فيها..ابقى انقلى حاجتك فيها وظبطيها على ذوقك.
هتفت رغد بسعادة :
بجد!!!
حسان بإبتسامه:
أيوه بجد.
أماءت رغد بفرحة وامتنان :
ربنا يخليك يا حسان بيه.
ذهبت جريا من أمامهم لتخبر والدتها فلم تجدها فى المطبخ فأخبرت والدها ، بينما فريدة كانت تأخذ الفواكه وبعض الأدوية لغرفة سميرة بعدما علمت من حسان أنها مرضت ،
طرقت الباب لتأذن سميرة لها ، قالت فريدة بإبتسامة بسيطة :
ألف سلامه يا سميرة هانم...كلى الفاكهة ديه وخدى الدوا وهتبقى تمام إن شاء الله.
تساءلت سميرة  بإستغراب:
مين اللى قال إنى تعبانة!!
أجابتها فريدة قائلة :
حسان بيه.
مطت سميره شفتيها بتبرم وقالت بعد أن فهمت ما تقصده فريدة :
ماشى..روحى وأنا لما هخلص هندهلك.
أماءت فريدة وهي تترجل من الغرفة :
ماشى يا هانم.
أمرتها سميرة :
اقفلى الباب وراكى.
مر هذا اليوم عليهم وجاء صباح اليوم التالى ،
كان حسان فى مكتبه يعمل بجد حتى أتى له لؤى ابن أخيه فى نفس عمر رامى ، شابا طويلا يتميز بالعيون الزرقاء مرتديا قميص أزرق اللون وعليه جاكت كحلي اللون أسفلهم بنطال من الجينز ، طرق الباب ليأذن حسان له ، قال لؤى بابتسامة مشرقة  :
صباح الخير يا بوب.
بادله حسان الابتسامة يهتف:
صباح النور.
وهنا قال لؤي بلهفة :
عندى ليك حتة مفاجأه مفيش أحلى منها.
سأل حسان بصبر:
أبشر!
قال لؤى بسعادة بالغة :
المناقصة رسيت علينا.
حمد حسان ربه وهو يقول:
أشكر فضلك يارب..كنت حاطط قلبى عليها.
ابتسم لؤي هو الآخر يحمد ربه ويشكره :
الحمد لله.
هتف حسان بحماس:
إحنا بالمناقصة ديه هننتقل لمستوى جديد.
وافق لؤى حديثه وقال:
إن شاء الله يا بوب...أروح أنا بقا على شغلى.
رمقه حسان قائلا :
ماشى...آه ابقى هات حنين معاك وتعالو اتغدوا معانا.
قال لؤى بسعادة:
إن شاء الله.
وخرج بعدما أغلق الباب خلفه ليضع يده على قلبه بطريقه مسرحية قائلا بهيام:
هشوفها النهاردة .
سمع صوت ضحكات سكرتيرة حسان ليقول بمرح غامزا كى يخفى حرجه:
هو القمر طلع النهاردة ولا إيه!!
ضحكت السكرتيرة بخبث:
يمكن.
غادر وهو يفرك رأسه وهى عادته عند الإحراج:
يمكن.
#يتبع
ارائكم من غير تم و..م
#نورهان السيد

الفراق قدرىWhere stories live. Discover now