الفصل الخامس والعشرون ❤

3.3K 68 1
                                    


أيّامي سوداء لا ترى الشمس ، يسكنها الصّمت والعذاب ، وتغمرها ظلمة الّليل ، ولا تعرف معنى الألوان ، أيّام غاب فيها القمر ، ولم تعد تتقن سوى لغة البكاء ، أيّام تحتضر ، أياّم كالأشباح ، أيّام انقطعت فيها الأنفاس وتملّكني فيها اليأس والضّياع ..!!!!
                  **************
صوت تلاوة القرءان يصدح فى الأرجاء وصوت بكاءها يقطع الأفئدة ، كان سندها فى تلك الظروف البائسة ، وكان هذا حكم القدر ، تجاورها حنين محاولة التخفيف عنها ودموعها تسبقها ، لا تنكر أنها وجدت فى عمار الأخ الحانى ، الأب الطيب المترثى فى اختياراته ، لذا كان هذا صعبا عليهما بل عليهم ، بينما فى الخارج ، يقفا يتلقيا التعازى وبالنسبة له لا يصدق ما حدث ، كان سيكون معه لكن شاءت الأقدار أن يختلى بنفسه وقتها ، فأوانه لم يحن بعد ، شعر بأنه غير قادر على الوقوف وهو يشعر بالترنح ليجلس بسرعة فسأله حسان بقلق:
لؤى..انت كويس !
اغتصب الراحة وهو يقوم مرة أخرى وبأقل من ثانية لم يستطع الوقوف أكثر ليسقط مغشيا عليه وآخر ما سمعه صوت نداء حسان بإسمه بذعر ...!!
*****************
" حسسسسن...خرجنى من هنا..لو راجل
تعالالى "
وجه الجمود والبرود الغير متناهى أحسن تدبره وهو يقول بجحود وطغيان:
ادينى جيت...ورينى هتعمل ايه !!...ثانيا بقى..أنا ميتلعبش معايا..تمام.
هدر بغضب وهو يقترب منه لكن لم يستطع التقدم أكثر بعدما أحيط بواسطة ذلك الرجلين ذوى العضلات المفتولة:
الشغل مش بالغصب.
ضحك حسن بإثارة واستمتاع ليجذ رامى على أسنانه محدثا صريرا كادت تتحطم على إثره ، امتعض وجهه وهو يقول بتمرد:
بس اللى يشتغل معايا ميرجعش فى كلامه فى يوم من الأيام.
أخذ نفسا طويلا وأخرجه بتمهل واضح ليقول بعدما شعر بالضيق والعصبية فى آن واحد ولكنه قال بهدوء مفاجئ:
راندا..اتخطفت واللى خطفها أكيد بينتقم منى أنا..وأنا مش هبقة سبب فى إن أختى تضيع..انت فاهم.
صلب وجاد الملامح وهو يقول بعدم إكتراث:
وأنا قولت مشاكل العيلة متخشش فى شغلنا..قدامك فرصة تفكر فيها..يومين بالظبط وعايز أسمع النهاية..see you son.
خرجوا تاركين إياه يلقى أفظع الشتائم ، مطلقا السباب واللعان على حسن ، جلس على الأرض مشخصا ببصره أمامه قائلا بإستحقار:
ماشى يا حسن.
ليردف وهو يضع وجهه بين ركبتيه بحزن دفين:
انتى فين يا راندا..أنا آسف لو أنا السبب ..!!
*****************
بينما هى ، صداع يفتك برأسها ، شعرت بطعم المرارة فى حلقها فهبطت دموعها بتثاقل وخوف ، تعبت ، تعبت من هذا الوضع ، تريد أن تخرج من هنا وبأى طريقه ، لكن كيف ؟! ومن بالخارج أعد حصنا منيعا حولها ، متسعا ولكن لا يحتويها ، هى فقط حبيسة تلك الغرفة ، شعور بالأرق سيطر على تفاصيل وجهها المجعده ، وقفت فى منتصف الغرفة ولا إردايا شعور بالمذلة هاجمها بعنف ، أين من بالخارج ؟ هل أصبحت فى طريق النسيان بالنسبة لهم ؟ حبست دموعها بعدما سمعت صوت إغلاق الباب بعدما دخل سيدها ، يا للسخرية ! ، وجدته يضع لها طعامها على الأريكة بدون التفوه بحرف ومن ثم كان فى طريقه للخروج ، اتستوقفه سائلة بنزق:
مش كل ما أسألك هتتجاهلنى..انت خطفتنى ليه..باين عليك مش محتاج فلوس.يبقى غرضك ايه ؟!!
لم يلتفت لها حتى يحميها من رؤية السواد الذى لف كوشاح حول نبرته القاتمة:
ابقى اسألى أخوكى !!
بإستنكار أخذت ترددها وهى لا تعى ما يقوله:
أخويا..انت قصدك ايه ؟!
فاجأها عندما ترجل للخارج مغلقا الباب خلفه ببرود وجفاف ، جرت على باب الغرفة وأخذت تفض كامل  غضبها فى ركله بقدمها ، أغلقت عيناها بعنف مانعة إياها من ذرف الدموع لتجلس على الأرض مستندة برأسها على قدمها وهى تقول بخفوت:
بابا..وحشتوني اووى..انتو هتيجو تاخدونى من هنا امتى ؟!!
ولكن سمعها من بالخارج بعدما سمع أنينها ليذهب لغرفته مخفيا جموحه الغاضب وهو يضع يده على رأسه مشخصا بصره للأمام بقسوة ، و..ولكن..لما يشعر بأن قلبه يدق مرة تلى الأخرى ؟! أغلق جفونه وهو يعدل من وضعيته حتى يذهب للنوم هاربا من تلك الوساويس التى تشوش عقله بخبث وهيجان ..!!!!!
************************
" المريض فاق...تقدروا تطمنوا عليه "
تلفظ بها الطبيب وهو يرمق وجوه القلقين على ولدهم ، تنهد حسان براحة وهو يدلف للداخل وتجرى وراءه حنين وهى تمسح دموعها فى محاولة بائسة لرسم الضحكة على وجهها متمتمة وهى تنكز كتفه بخفة قائلة بإيلام:
انت ليه بتحب تخوفنى عليك كده ها !
ربت على كفها قائلا بخفوت:
متقلقيش أنا كويس...يمكن بس علشان مأكلتش من الصبح.
جلس حسان على الأريكة المقابلة له قائلا بعتاب بالغ وهو يعقد حاجبيه:
ينفع كده يعنى..ده أنا اللى خدت الصدمة من وقعتك أدامى ديه.
طرق الطبيب الباب ليأذن حسان له ، اقترب منهم قائلا بتساؤل:
هل فى حد فى العيلة عنده مرض مزمن أو ما شبه ؟!!
حدجه حسان بإستغراب قائلا بعدم فهم:
اشمعنا يا دكتور ؟!!
أخذ نفسا طويلا وهو يجيبه بترقب:
لأن أستاذ لؤى عنده السكر..والإغماءه ديه كانت اغماءة سكر.
صدح صوتها بدهشة وهى تقول بعدم تصديق:
السكر..وده سببه ايه يا دكتور ؟!
نظر حسان للؤى متمتما بصدق:
أيوه فعلا..والده كان عنده السكر..بس مكنش فى بالى حاجة زى كده.
دارت عينا لؤى فى الفراغ وهو يتنفس بعمق زافرا نفسه على أقل من مهله ، شكر الطبيب بتثاقل ، شعر بالعطش ليشير إلى حنين لتأتى له بكوب  من الماء وهى ترمقه بحزن فابتسم لها محاولا تطمأنتها ليلقى الطبيب تعليماته بينما حنين تحسن الإنصات فى حين أن لؤى شرب الكوب على دفعة واحدة ، هو حقا يشعر بالعطش الشديد ، وفهم الآن لما كان يشعر بالتعب والعطش فى الأوان الأخيرة ، لكن..لم يخطر على باله قط هذا المرض المزمن ، أغلق جفونه بتعب ليغادر حسان ببطء تاركا حنين معه حتى يأتى بشيء يأكلاه ، تاركين العزاء المقام فى قلوبهم ، يفترش جزء أكبر من فؤادهم ، يدعون بإلهام الصبر والسلوان فى مصيبتهم ، وليرحم الله الجميع.
************************
فى صباح اليوم التالى..
استيقظت على صوت رنين هاتفها ، فركت عيناها بملل وعدم استيعاب لتجيب على الهاتف فسمعت نبرته المتشدقة بحب:
صباح الياسمين.
ابتسامة صغيرة انفترت عن ثغرها مختلطة بتأنيب ضمير فظيع وهى تجيبه قائلة:
صباح النور.
سرعان ما قال بلهفة:
روحى افتحى الباب.
ثم أغلق الهاتف ولم يترك لها فرصة للرد ، تنهدت وهى تهبط من على سريرها ، ذهبت لحمامها وأخذت تنظر لنفسها فى المرآة ، هى حقا لا تنكر أنها لا تحبه ، لكن..هى رأت العشق والوجدان يتسلل من شرفتى عيناه ولديه الرغبة فى أن يهبها ما تريد فى أقل من غمضة عين ، هزت رأسها برفض وهى تلقى المياه على وجهها بكف يدها لعلها تفيق من هذا الكابوس !! ، هبطت إلى الأسفل لتفتح الباب فمشطت المكان بعينيها بحركة سريعة فلم تجده ، ولكن..وجدت مغلف على الأرض على هيئة هدية بغلاف أحمر اللون ويعلوه زهرة محببه لقلبها ، التقطتهم بسرعة وعقلها يعصف بها حول شيء واحد ، هو يتودد لها ، هو يجعلها تثق به حتى تنسى القديم الذى قد يكون غير مقتنع بأنه انتهى ، دلفت للداخل لتجلس وهى تفتحه فوجدت الفستان الزهرى الذى وقع نظرها عليه يومها ، فقط لمحة نظر باءت بإعجابها به ، أيعقل هذا ! ، أكان منتبها لها ؟ بل ويتبع نظرها أينما ذهب ! ، حتى أقل الأمانى فى طريقها إلى التحقيق بسرعة غير متوقعة ، زفرت بضيق وهى تبعده عنها صاعدة لغرفتها ، التقطت هاتفها من على السرير فى حركة رتيبة وهى حقا تشعر بالإختناق وليس أمامها إلا أن تستشير صديقتها الوحيدة ، تذكرت الورقة التى كانت داخل المغلف لتنزل بسرعة وهى تهاتف ريماس وتقرأها لتجده يقول لها أن ترتديه فى حفل كتب الكتاب ، هى الآن مقيدة وما السبب إلا والدها هذا الذى جاء فى وقت غير مناسب محاولا فرض سيطرته وإبادته عليها ، وعندما أجابت ريماس قالت بسرعة هوجاء:
ريماس..أنا لازم أقابلك حالا..أنا عمرى ما حبيت مهند..أنا فى مشكله فعلا ....!!!!!!
*********************
لا مفر فمع قليل من الشجاعة وقدر لا بأس به من قوة المواجهة قد تقدر على كل هذا ، لكن بداخلها شيء تصدع ومن المستحيل لها بأن يعود ما تشقق لسابق حاله ، خرجت من الغرفة بعدما شعرت بالرهبة من الخبايا التى لا أحد يعلمها حتى طبيبها المعالج ، أتى لها ليعطيها المال الذى تعالج به ، شكرته بسخرية مريرة بينما ملامحه هو كانت باردة ، سوداء الفؤاد ، لم تستنكر هذا منه فهذا هو الإتفاق وها هى النتيجة المتوقعة ، ولكن لم تعلم أنها بهذه الصعوبة ، أخذت تدعو الله أن يمدها بما تقدر
به على الآتى ، استوقفها قائلا بتساؤل
لحوح:
مين ده !!
حدجته بضيق وهى تحاوط نفسها بيدها ، وبنبرة متشدقة بإستنكار أجابته والثقل على طرف لسانها يلجمها بسوط الصمت ولكن فلتسكت فضوله:
بابا..ممكن بعد اذنك أعدى بقى.
ابتعد عن طريقها وهو يرمقها عاقدا ما بين حاجبيه بدهشة ، لا يعلم لما يهمه أمرها بل وبشدة ، ذهب إلى الحديقة وأخذ يتمشى هنا وهناك ، حتى رأها جالسة فى شرفة غرفتها تنظر للشمس وتحدق فى أشعتها بشرود لم يفقهه ، بينما هى رغما عنها كان الحديث الذى مر عليه أقل من نصف ساعة ، يضرب بعقلها الأعاصير
" انتى كده تمام..تسمعى الكلام..هاسيبك تتعالجى وأديكى الفلوس غير كده..معنديش حاجه "
" ونعم الأب.. "
" احنا قولنا ايه ..!!!! "
نظرت له ولم تتحدث بعدما أخذت المال وغادرت من أمامه ، هى الآن تشعر بالقهر ، بالمذلة والهوان لكن المسألة فقط الآن أصبحت وقت ، حقا ما هى إلا وقت ، بينما فى الجانب الآخر ، باشر يقلب الأفكار فى عقله بأن يحدثها لكنه لا ينكر أنها تتجنبه لتخطر فى باله فكرة ، اتصل من هاتفه على روجينا وهو يأمل نفسه بأن تجيب وبالفعل أجابت بسرعة متلهفة والنبرة الفرحة ظهرت حد العيان بعدما فهمها:
نضال..انت كويس صح ؟!!
أجابها بترقب:
ممكن أسألك على حاجة !
خيال عارم سبحت فيه حد الغرق وهى تجيبه بحالمية ، هى لا تكاد تصدق بعد أنه من اتصل بها ليقطع حبل التخيل
قائلا:
هو ممكن تيجى معايا..عايز أجيب هدية لفرحة !!
******************
خرجت من منزلها وهى تحمل حقيبتها وتعيد بيدها الأخرى خصلة من شعرها خلف حلمة أذنها ، صيحة أطلقتها وهى ترى أن عجلة السيارة قل انتفاخها ، نظرت إلى ساعة يدها بتبرم لتجد أنها ستتأخر عن موعد حلقتها ، زفرت بضيق وهى تفكر فى الحل السريع لهذه المعضلة ، وكخروجه من مصباح علاء الدين ، ظهر أمامها وهو يجلس أمام مقود سيارته ، نظر لها بخبث لم تدركه قائلا بهدوء مصطنع:
يبدو إن العربية محتاجة تصليح..تعالى ممكن أوصلك.
رمقته بحدة وهى تراه يلوى زاوية فمه بإستمتاع ، 
فعليا الآن ليس أمامها إلا مطاوعته والذهاب معه ، هذه المره فقط ! ، أشارت له على باب السيارة ليفتحه لها ، ركبت السيارة وهى تتمسك بالصمت التام ، شعور بالإنتصار رافقه طيلة الطريق ، عندما توقفت السيارة فى إحدى إشارات المرور نظر لها مبتسما وهو يحاول جعلها تنطق أو  تتفوه حتى بحرف واحد ، قال فى نفسه بغيظ:
يخربيت بوذك اللى شبرين ده..مش عارف أعمل معاكى ايه بجد..وأدى نتيجة فكرتك يا عم آدم.
سمع رنين هاتفه فنظر فيه بملل وهو يضرب بإصبع يده على الدريكسيون بحركة رتيبة مدروسة ، ابتسم فجأة بخبث وهو يجيب قائلا بصوت مرتفع نسبيا حتى يثير انتباهها الضائع:
بجد !! يا يا بنتى ده انتى عدى عليكى فترة..أنا برده اللى مبتصلش..يا بكاشة...أيوه فاكر..هو أنا أنسى باردوا حاجه تخص سندسه..سلام يا حبى..سلام.
أغلق الهاتف ليراها ما زالت متخشبة النظرات ، أراد بالفعل فى هذه اللحظة أن يأتى بمطرقة ويهشم أسنانها التى لا تظهر أبدا أمامه ، التفتت له وهى تتنهد بضيق قائلة:
يظهر إنى هتأخر أكتر مش كده !
صيحة انطلقت منه بعدم تصديق مصطنع وهو يزيف تلك الدهشة التى انبلجت على معالم وجهه:
ده ما الدنيا بتنور أهوه لما اكلمتى..يا عليكى..كنتى المفروض تتكلمي من بدرى علشان الطريق يسلك.
غصبا عن فاهها أشرقت ابتسامتها ، نظر لها هو الآخر مبتسما وفى أقل من ثانية عادت ملامحها للعبوس مرة أخرى وهى تعاود النظر من شباك السيارة ليزفر بضيق وهو يحدث نفسه مثل المجانين ....!!!
وعدت ووفيت بنزول فصلين اليوم أرجو التفاعل بقا 😉😘🙈😻
#دمتم سالمين
#نورهان السيد

الفراق قدرىWhere stories live. Discover now