الفصل الثالث💙

14.3K 193 4
                                    


عندما ينسج المرء ثياب مذكراته السوداء ويوشحها باللؤلؤ الأبيض يبقى هناك خيط مشع يلتصق بثنايا الروح لعله الخيط الذي يذكرني بك في لحظات اليأس.
            *****************
تجلس بالكرسى المجاور له ، تهلوث تارة بعبارات تجرحه فى الصميم ، وتبكى تارة بعنف ليهدر هو بغضب فى وجهها جعلها تضب معينها:
بتحبيه ليه..عملك إيه علشان تحبيه كدة!!!!
توقف بسيارته ليترجل منها بعصبية بالغة وبركان بدأ فى إحراق جوفه حتى تصاعد لعقله فجعله كالمجنون وهو يقذف بخصف الرمل بقدمه ، بعدما شعر بأن اهتياجه بدأ يقضى عليه ارتمى على الرمل الأصفر بهمدان وتعب وارهاق ، هو يعلم أنه لا يستطيع منعها أو إجبارها على نسيان حبه الذى ينتشر فى أوردتها حد النخاع ، صاح  يصرخ :
ياما حذرونى ومسمعتش كلامهم..أنا اللى غلطان..أنا بكرهكم كلكم..بكرهكم.
وفجأة شعر بمن يحيطه من خصره فنظر ليجدها مايا ، أحاطت خصره بيديها بعدما وضعت رأسها على صدره الذى ينبض بداخله قلب مرهق من فراقها عنه ، ليس فراق القلب فقط ، بل فراق القلب والعقل ، هو مجرد سند تجده عندما تسقط فى قعر الظلام الدامس ، فيسحبها هو مقويا نبضات قلبها بدلا عنه ،
استمرت فى بكاءها تسأله بحزن وعدم وعى:
هو أنا وحشة يا مهند؟!!
تنهد مهند بحرارة وألم فادح متمتما:
لا يا مايا..إنتى مش وحشة..بس إنتى اللى بضيعى نفسك وتضيعينى معاكى فى بحر ملوش نهاية..!!!
*****************
فى حديقة القصر..
يجلس ناظرا للقمر المضئ فى وسط ظلام الليل المعتم بابتسامة عاشقة ، يتنهد بحرارة من كمية الحب التى تضخ فى أوردة
قلبه ، همس بحب حد الجنون:
بحبك اووى يا رغد..إنتى ازاى تملكتى قلبى للدرجة ديه!!!
دخل عليه فجأة من يقول بسخرية:
أهلا أهلا بلؤى باشا.
وقف لؤى فى مواجهة رامى يهتف بدهشة:
إنت شارب حاجة يا رامى!!
أجاب رامى وهز يترنح يمينا ويسارا:
قشطة عليك يا معلم..بتلقطها وهى طايرة.
تجهم وجه لؤى بعدما عصر قبضتى يديه مانعا نفسه عن مصارعة ستودى بحياة أحدهما فى النهاية حتما...!!!!
قال رامى بنبرة ذات مغزى:
إيه يا حب كنت بتعمل إيه!!...أكيد فى بنت الشوفير اللى واكلة عقلك..بس..
لم يكمل حديثه حينما وجه له لكمة نزف من فمه على أثرها ليضحك بصخب فى وجه الذى مسك تلابيبه ناظرا إليه بنظرة ناريه لو تمايلت عليه لأحرقته وجعلته رمادا لن يحكيه أحد:
اوعى كده يا عم..ده إنت بتقفش بسرعة.
قال لؤى بتحذير جم:
اوعى تكلم عنها تانى يا رامى إنت فاهم!
ابتسم رامى بسذاجة وقال بنصح:
هو بقا عند لؤى باشا نقطة ضعف...هههههه.
نفض لؤى يده عنه بعنف وهو يلهث بغضب ، نقطه ضعف! ، نتوقف عند هاتين الكلمتين بإحتجاج ، نعم هو لا ينكر أنه لا يستطيع العيش بعدم وجودها معه ، أهو مجنون! ، قد جن بالفعل وهو يحب طفلة لم تتعدى السادسة عشر ، مراهق مجنون وحب مجنون جعله حقا ليس أهلا لتلقيبه بأستاذ لؤى المبجل ، ضاعت الحروف وتناثرت على طرف لسانه وعندما هم بالحديث وجد رامى يدخل للقصر بسرية تامة ليزفر لؤى بضيق بعد تلك المشاحنة التى لم تبدى لها نهاية إلا بمغادرة ذلك الأحمق المستفز..!!!!
سار رامى بإتجاه السلم صاعدا إياه ، اقشعر بدنه من صوت والده مناديا باسمه ليلتفت نحوه ببرود تام ، قال حسان بتساؤل حازم:
إيه اللى مرجعك متأخر كدة يا رامى!!
تنفس رامى بعمق وأجاب ببساطة:
كنت مع صحابى.
اقترب حسان منه ليشم رائحة الخمر الفائحة ليصح بعصبية :
خمر يا رامى! ..بتشرب خمر يا كلب.
وسرعان ما طبعت أصابع يده على وجنة رامى اليمنى قائلا بإنفعال:
خمرا يا رامى!!
ذهبت سميرة بسرعة ووقفت أمام رامى قائلة له بلهفة:
اطلع يا رامى على أوضتك دلوقتى...
ثم وجهت حديثها لحسان قائلة بنبرة متقطعة ، متذبذبة:
مش هيحصل كدة تانى يا حسان..مش كدة يا رامى!!
صرخ رامى بعنف وصاح:
لا هيحصل..انتوا السبب وعارفين كدة ..هى ماتت بسببكوا..انتوا اللى قتلتوها..محدش
غيركوا.
اقترب منه حسان قائلا بعصبية وهو يضربه ،  بينما سميرة تقف حائلا بينهما ببكاء:
إحنا السبب..إحنا السبب ليه يا كلب يا قليل الرباية!!!
سمع صوت الصراخ العالى لؤى وراندا وحنين ،  بينما رغد وعائلتها فى غرفتهم ويسمعون نبرات الغضب والصريخ ولكن لا يستطيعوا الخروج ، أو بمعنى أصح ؛ اعتادوا على تلك المناوشات المريرة بين حسان ورامى منذ سنتين
مرت..
حاول لؤى الإبعاد بين حسان ورامى الذى ينظر لوالده بدون إبداء رد فعل كالصنم الذى نحت فى هذه الآنه ، كأنه يصدم مما يحدث له ، كأن أثار الشراب جعلته متبلد الأحاسيس..
حازل لؤى استعطاف حسان بقوله:
خلاص يا عمى هو مش فى وعيه دلوقتى.
اشار رامى للؤى بعنف:
أنا فى وعى كويس يا لؤى..بس مش هسيبكم.
هبطت دموعه بعنف وبدأ يأكل درجات السلم بعدما سقط عده مرات ، قالت سميره ببكاء حاد تؤنب ضميره:
شوفت حالة ابنك! ..شوفت يا حسان..على فكرة إنت السبب فى حالته ولو حصله حاجة أنا مش مسمحاك.
لتذهب هى الأخرى إلى غرفتها بسخط ، نظر لؤى لأثرهما وهو يقول لحسان بحزن:
عمى..معلش اصبر عليه..هو لسه زعلان على اللى حصل..مش سهل موتها عليه باردوا.
قال حسان بتبرم وهو يقف:
هو اللى جاب كل ده لنفسه !!!!
ذهب إلى مكتبه لينظر لؤى إلى حنين أن تذهب هى وراندا الباكية على حال أخيها ، ذهب لؤى مرة أخرى وجلس فى الحديقة وهو يتذكر تلك الحادثة التى غيرت مجرى مسار حياة رامى..
ومضة للخلف..
على إحدى الكبارى تقف فتاة على سوره الأيمن وهى تشهق من البكاء وأمامها بطنها مكورة دليلا على حملها..
أخذ رامى يهتف بخوف:
فرحة حبيبتى..انزلى يا حبيبتى الله يخليكى.
نفت فرحة بهزة من رأسها :
لا أنا لو نزلت بابا هيموتنى يا رامى..أنا خايفة.
باشر رامى بصراخ عنيف ودقات قلبه أوشكت على التوقف من القلق:
محدش هيجى نحيتك انزلى بقى.
أتى والدها قائلا بحزم:
هيحصل كل اللى إنتى عايزاه يا فرحة بس انزلى.
صاحت فرحة بسعادة غير مصدقة:
بجد يا بابا!!!
أجاب حسن بابتسامة مصطنعة:
أيوة بجد.
نظرت فرحة لرامى قائلة بضحك:
بابا وافق يا رامى..
ثم عقدت حاجبيها بحب قائلة مثل الأطفال بتبرم:
تعالى بقى نزلنى..علشان أنا خايفة.
ذهب لها رامى بسعادة لتطلق آه قبل أن تنجرف قدمها مثل التيار وتسقط ليعلو صوت صراخه بعنف:
فرررررحة.
عودة للحاضر فى غرفة رامى...
يجلس على الأرض الباردة التى حتما لا تساوى تلك النار المندلعه فى جوفه تحرق اليابس المتبقى على عرشه وهو يلتقط صورها ، تأكل البوظة وحول فمها ممتلئ بها لتضحك وهو يلتقط لها إحدى الصور ، وفى أخرى ترتدي إحدى التنورات التى ابتاعها لها بحب لتضع يدها على خصرها منحنية للجهة اليسرى ومبتسمة بحب ليلتقط لها إحدى الصور ، دموع أخذت بالانهمار على وجنتيه ليقول بألم:
ليه سبتينى ؟!..كل حاجة كانت هتصلح..بس إنتى سبتينى..أوعدك هجبلك حقك يا فرحة منهم كلهم.. أوعدك !
****************
أمام البحر يجلس مهند وبصحبته مايا النائمة على نفس الوضعية تحيط خصره بيدها ، تسند رأسها على صدره متغاضية عن دقات قلبه المتسارعة بقربها ، يعلم أن هذا عقابه ، يحبها ولا ينالها ، نظر لها وهى نائمة فى حضنه فكانت أشبه بالملائكة فى ليلة البدر ، أشاح شعرها المنسدل على وجهها المتعرق بعض الشيء ليجد آثار البكاء على وجنتيها ، مسحها لها فاقشعرت أصابعه واخذت تسرى أحد التيارات الكهربية الشحنه فى جسده المتصلب بفعل وضعيتها وهو يملس على وجنتيها ، أخذ يستمتع بتلك اللحظات التى قد لا تعوض فيما بعد ، بعد مدة بدأت تتململ كأنها نائمة على سريرها الوتير وهى تمسح طرف أنفها ليضحك عليها ومن ثم يقوم ويحملها ثم يضعها فى سيارته ، انتهى ذلك بوضع جاكته الأسمر الفواح برائحته الرجولية على منكبها ليملؤه برائحة الياسمين خاصتها ، ومن ثم أدار محرك السيارة ليذهب بها إلى منزلها..
********************
بعد قليل خرجت رغد من غرفتها وهى تحمل كتبها لتجد لؤى جالسا على أرجوحة الحديقة ناظرا للقمر بشرود ، ذهبت بسرعة قبل أن يلحظها ولكن ، ناداها بإسمها لتقف قائلة بتلعثم:
آآ..أنا أسفة مكنتش أعرف إن حضرتك هنا..أنا داخلة.
قال لؤى بسرعة ملهفة :
لالالا خلاص تعالى أنا كدة كدة كنت داخل دلوقتى.
قالت رغد بإرتباك:
أنا أسفة لو ازعجتك.
قال لؤى بعدما تنهد:
هو إنتى بتتأسفى عالطول كدة من غير أى غلط..رغد إنتى مغلطتيش فياريت تقللى من اعتذارك.
اكتفت بابتسامة صغيرة لتجلس على الكرسى المقابل له ، سألها لؤي بابتسامة صافية :
هتذاكرى إيه بقا!!
أجابته رغد بخفوت:
أحياء وبعدين فيزيا.
تشدق لؤى قائلا بحب:
ربنا معاكى.
قام وبداخله صراع ، يريد الجلوس لكن لا ليقول وهو يضع يده على زاوية فمه يتصنع إراده النوم قائلا:
متسهريش يا رغد.
أومأت برأسها وهى لا تنظر له ، أو بالأصح تمنعه من النظر إلى دخان عينيها.
دخل وهو يحاول تهدأة دقات قلبه قبل أن يعود لها طاحنا إياها فى حضن متملك يحطم عظامها فيه ، كانت هناك جوز من العيون تراقبهما منذ قدوم رغد للحديقة لتتوعد لشيء بكل شر..!!!!!
****************
وصل مهند لفيلة مايا ، أخذ ينظر لها بابتسامة وهو يراها تحتمى من البرد بجاكته الدافئ ، أغمض عينيه وهو يتخيل أنها فى حضنه الآن ليخبط مقدمة رأسه بيأس من أحلام اليقظة تلك قائلا لنفسه:
فوق يا مهند..فوق..عمرك ما كنت فى تفكيرها ولا هتبقى.
خرج من سيارته ليذهب لعم راضى البواب قائلا بإحراج:
ازيك يا عم راضى؟!!
أجابه راضى بابتسامة بشوشة:
نحمد الله..فى حاجة يا أستاذ مهند!!
قال مهند بإرتباك:
أصل الآنسة مايا معايا.
هتف راضى بحزم:
معاك فين يا حضرة !
قال مهند بسرعة يحاول إصلاح الوضع:
يا حاج يا طيب متفكرش كده..قصدى يعنى إنها تعبت فى الحفلة النهاردة وجبتها.
نظر له راضى بتفهم ليقول وهو يرمقه بترقب:
اتفضل آتها عقبال ما أقول لصبرين هانم.
أومأ مهند برأسه ليتوجه إلى مايا ويحملها وهى لا تترك جاكته نهائيا ، ابتسم على أثرها وتوجه للداخل ليجد من ينادى عليه قائلا بتساؤل:
هو إنت مكنتش روحتها لسه!!
قال مهند بملامح متوترة:
ريماس!
******************
فى غرفة راندا..
تجلس على سريرها باكية على أخيها ، وتحاول حنين أن تهدأها:
خلاص بقى يا راندا.
قالت راندا وهى تبكى ضامة ركبتيها لصدرها:
مكنتش أعرف إنه لسه فاكرها لغاية دلوقتى ده سنتين عدوا !!!
تنهدت حنين قائلة بحزن:
الحب الحقيقى صعب يتنسى.
قامت راندا بسرعة متوجهو لغرفة رامى قائلة  بلهفة :
أنا لازم أشوفه.
ذهبت لغرفته تطرق الباب ولكن ما من مجيب لتفتح الباب بسرعة فوجدت الغرفة معتمة ، أضاءت أحد المصابيح التى أنارت المكان بإضاءة خافتة ، وجدت رامى نائما على الأرضية الباردة محتضنا صور حبيبته الراحلة ،
انحنت راندا وهى تملس على رأسه بحزن قائلة بصوت مشحوب من كثرة البكاء:
رامى قوم نام على السرير.
لم تتلقى منه أى اجابة فقامت تحضر له وسادة وملحفة ووضعت رأسه على الوسادة ، ثم دثرته جيدا ومن ثم أضاءت المدفأة حتى لا يمرض من الأرضية الباردة ، التقطت الصور من بين أحضانه لتضعها فى خزانته فوقع منها إحدى الصور لتنحنى تلتقطها ، وجدته يهمس ببكاء أثناء غفلته:
لا لا..فرحة..لا.
تقوس فمها بألم على حاله وهى تعلم أنه الآن يصارع أحلامه الوحشية ، أطفأت المصباح ومن ثم خرجت لتقول حنين بلهفة تتساءل:
أخباره إيه؟!!
أجابت راندا بحزن:
لقيته نايم على الأرض وحاضن صورها..أمى هى السبب فى كل حاجة فى الموضوع ده.
استنكرت حنين قولها بامتعاض:
مهما كان يا راندا هى والدتك متقوليش عليها كده..يلا بقا ننام إحنا كمان علشان محاضراتنا اللى الصبح ديه.
تنهدت راندا قائلة:
يالا.
*****************
#يتبع
ارائكم من غير تم و..م
#نورهان السيد

الفراق قدرىWhere stories live. Discover now