الفصل الرابع والعشرون ❤

3.2K 61 9
                                    


ما أصعب أن تشعر بالحزن العميق وكأنّه كامنٌ في داخلك ، فتستكمل وحدك الطّريق بلا هدفٍ ، بلا شريك ، بلا رفيق ، وتصير أنتَ والحزن والنّدم فريق ، وتجد وجهك بين الدّموع غريق ، ويتحوّل الأمل الباقى إلى بريق !
               *****************
أطفأ الجهاز بسرعة وهو ما زال يسمع صراخها الذى لم تستطع إخراجه قبل دقائق لكن لا بأس فليرى ماذا هناك ، وبداخله حرص من أن لا تحاول الهرب ، دخل إلى الغرفة ليجدها بالفعل تقف على سريره وهى تذرف الدموع وعلامات الرهبة جلية على صفيحة وجهها ، فصاح بغضب يتساءل:
فى ايه ؟!!
أشارت له بإصبعها على الحائط ليجد ليس إلا أنه صرصور برتبة طائر كما يسميه هو ، تبادل النظر بينها وبين هذا الصغير ، فلم يقدر على التماسك ليبتسم وهو يقترب منه بعدما حمل واحدا من أحذيته ، توقفت هى عن البكاء وهى تراه ، يبتسم ليس إلا ، قتله ومن ثم حمله بإحدى المناديل ناظرا لها بعدما تصنع النبرة الجادة متمتما:
أنا مش هاسمحلك إن صوتك يخرج كده تانى...أيا كان السبب حتى ولو ده السبب انتى فاهمة !!
أومأت برأسها بعدما وضعت يدها على فمها تمنع شهقتها من الخروج وهى تراه يقترب به منها لتغمض جفنيها بشدة آلمتها ، شعرت بلفحة الهواء البارد التى لطمت خدها لتفتح عينيها بترقب فتراه يقذفه من النافذة لتطلق تنهيدة حارة بعدما هبطت من على سريره ، دخل لها ليقترب منها قائلا بتحذير وجانب وجهه المشوه واضحا لها حد العيان مشيرا لها بإصبعه:
أنا مبشكرش حد على حاجة..ولحسن حظك إنك بالفعل محاولتيش تهربى منى..لأن الأحسن ليكى إنك تبقى هنا أفضل من إن الديبة اللى حوالينا تلتهمك.
أطلقت صرخة وهى تقول بعدم تصديق:
انت جبتينى فين ؟!! انت مين أصلا !!!!
ابتسم بسخرية قائلا بغموض:
هتعرفى بس استنى على رزقك..وآه أنا مبحبش الاسئلة الكتير انتى فاهمه وإلا بقى...
قال الأخيرتين بنبرة خبيثة وهو يقترب منها إلى حد جعلها تريد الصراخ فى وجهه لتبتعد من أمامه قائلة وهى تضم يدها إلى صدرها بخوف حقيقى:
مش هاعمل كده تانى..صدقنى.
" يبقى احسنلك "
قالها وهو يخرج مرة أخرى من الغرفة لتشعر هى بتلك المضخة التى تقترب من الوقوف لتنزل دموعها بقهر وذعر مما سيحدث بعدا ....!!!!!!!
*********************
طرق على باب منزلها جعلها تقوم بتثاقل بعدما خضعت للنوم مستسلمة له وهى تحتسى كوب قهوتها ، وضعت شالها الوردى على منكبيها ثم أضاءت النور وتوجهت لتفتح الباب ، رأت إحدى جاراتها وهى من مصر أيضا ، قابلتها بابتسامة لتقول لها بإعتذار وهى تعقد حاجبيها:
هو أنا يظهر إنى صحيتك..آسفه جدااااا.
ابتسمت شذى وهى تردد:
مش مشكلة.
قالت الجارة بإقتراح:
حبيت بس أقولك إننا كل خميس بنتجمع فى الجنينة ونقضى الليلة مع بعض..فرفشة وضحك وكلام من ده..حبيت أقولك بس لو عايزة تيجى معانا..أصل أنا ملاحظة إنك انطوائية شويتين.
قالت الأخيرة بنبرة مرحة لتظهر
غمازاتها ، نظرت شذى للأرض قليلا لتطلق تنهيدة حارة وهى تصتنع تلك الابتسامة الساذجة بالنسبة لها متمتمة:
اوكى..هالبس وهنزل.
صاحت الفتاة بسعادة:
بجد..أنا مستنياكى متتأخريش.
أومأت برأسها لتغادر الفتاة مرة أخرى إلى أسفل لتغلق شذى الباب وهى تستند برأسها عليه ومن ثم توجهت للداخل ، ارتدت بنطال من الجينز الأزرق وتعلوه كنزة من اللون الأبيض يغطيها فى بعض المناطق قماش الكوسكوس ومن ثم مشطت شعرها واضعة الشال الذى يقيها البرد متوجهة للخارج ، هبطت إلى الأسفل لتجد جيرانها فى المبنى والمجاور لهم أيضا يجلسون فى الحديقة المشتركة بينهما وجو من المرح سيطر على عبق الهواء ، ألقت السلام ليجيبوا عليها بابتسامة ، جلست بجانب الفتاة التى جاءت لها وبعد قليل فضلت أن تختلى بنفسها لتأخذ جانبا وهى تميل بجذعها إلى الخلف ناظرة للسماء أخذت هالة من الحزن لمعان عينيها فأغلقت جفنيها وهى تلقى زفيرا ونفس طويل فتحت عينيها على صوت من جاورها سائلا بصدق:
هو انتى بتحبى تختلى بنفسك كتير..من الفئة ديه يعنى ..!!!
نظرت إليه ولم تتحدث ليقول بإصرار معاند:
عرفت الإجابة خلاص.
وهنا ابتسمت ولكن سرعان ما أشاحتها لتنظر له قائلة بتساؤل لائم:
وانت بقى من الفئة اللى بتحب تراقب الأشخاص وتعرف كل تحركاتهم ...!!!!
وضعته فى موقف لا يحسد عليه ، أبعد ناظره عنها لتضحك قائلة بسلاسة ويسر:
عرفت الإجابة خلاص.
نظر لها بدهشة لتعيد هى النظر للأعلى مرة آخرى فى إيضاح أن جلسته غير مرغوب بها ، زفر بضيق وهو يقوم من جانبها عائدا لمجلسه لتقول تلك الفتاة بضحك:
يبدو من ملامح وشك إنها كسبت الفورة ديه.
بإقتضاب أجابها وهو يختلس النظر للأخرى:
وبإكتساح.
وضعت يدها على فمها تكتم ضحكاتها حتى لا تثير فضول من حولهم ، ليقول خالد فى نفسه بثقة:
بس مش هنطول فى الحرب ديه..لإنى خالد يزيد الشناوى..يعنى مش أى حد.
لتنفتر ابتسامة خبيثة وهو يمط شفتيه ويمد قدميه للأمام بتفكير عميق متحديا تجنبها ووحدتها المكروهة إليه ....!!!!!
*******************
يجلسان على طاولة فى إحدى الفنادق الراقية بأحد الجوانب المخفيه عن عيون الناظرين ، بطلب منه ، حتى يملى عينيه منها ، حلم جميل يعيشه لكنه سيسارع بقدر الإمكان لجعله حقيقة ، لا تتسع لأكثر من روحهما ، رمقها بعشق جارف وهى تتناول طعامها ناظرة من الزجاج المجاور لكرسها بتمعن أو بالأحرى شرود كما قال هو ، جذب انتباهها وهو يستند بيده على الطاولة بابتسامة جذابة وببحة حالمة تمتم سائلا:
أنا فى خيال ولا حقيقة ؟!
نظرت له بعدما بلعت الطعام بتأنى ، وضعت ملعقتها فى طبقها قائلة بشعور تأنيب الضمير ولكن ، رافقه ابتسامة مزيفة:
فى حقيقة يا مهند..بس..لو ممكن نخلى كتب الكتاب آخر الشهر أفضل.
تمرد كالأطفال ، هو لا يكاد يصدق أنها ستصبح زوجته ، فكيف لا يسابق الزمن ليشاكسها متحدثا:
ما كنا موافقين..ولا ده من التوتر !!
تراقصت تلك البسمة الخجلة على ثغرها بفتور قائلة:
ما انت عارف..ده طبيعى.
مال بجذعه إلى الأمام بعدما جاء بخاطره شيء عكر صفو مزاجه متسائلا بترقب:
ممكن أعرف انتى ليه وافقتى بالسرعة ديه يا مايا..انتى لسه بتفكرى فيه...أوعى يكون عايزة تنسيه بيا !
جحظت عيناها بصدمة لتشيح بنظرها عنه فاشتعلت نار الغيرة بقلبه ، أغمض عينيه محاولا أن يهدأ قليلا ليسأل نفسه أولا ، هو من فرح كثيرا ، هو من أصابته سهام السعادة حتى نسى الواقع المرير الذى يعيش فيه ، انتشلته من ثغرته الواهية قائلة برقة:
لا يا مهند.
فتح عينيه بسرعة هاتفا بلهفة واضحة:
انتى بتقولى ايه !!!
مطت شفتاها إلى الأمام فى حركة أثارته قائلة بتنهيدة أطلقتها كغبار فى وسط الأجواء:
هو أنا منستهوش بس حبه خلاص بح..أنا كنت غلطانة من الأول..وأنا واثقة من قرارى.
فى هشاشة هذا الوضع قبل ثوان ، كالزجاج الذى يتصدع موشكا على التفتت لقطع مبعثرة ، عالجت هى الوضع بكلماتها التى كانت كالبلسم طهرت جروحه جميعها ، نظر لها بحب فادح قائلا بإصرار:
يبقى كتب الكتاب يوم الخميس زى ما اتفقنا.
أخفت عينيها فى طبقها مرة أخرى ليعاود هو الميل بظهره للخلف ثانية وهو يختلس النظر لها بين الحينة والأخرى ، أقسم أنه سيذيقها الشهد والحب كما لم تعرف من قبل وهذا عهد أخذه على نفسه ، فهل سيتحقق مراده فى النهاية !!!!!
**********************
مرت ثلاث أيام..
الحال كما هو ، سميرة ملازمة غرفتها بجانب تعود فريدة على نهرها ، تختلى بنفسها لتبكى ويفيض قلبها بشوق الأمومة ، بينما لؤى أخذ يفهم قوانين العمل بتمهل لعمار حتى نجح عمار فى اجتياز ذلك ، وباشر بالعمل الجاد معه ، فى حين تلك التى تحاول التعايش مع الواقع الذى وضعت فيه ، تعلم أنه قدر وراءه حكمة ستعلمها ، لكن متى ..!!!!!
***************
جالسة على سريرها واضعة وسادتها على قدمها تضم إياها إلى صدرها وهى تنظر أمامها بشرود ، أغلقت عينيها تحبس تلك الدمعة التى تلهب قلبها ، قامت بسرعة وذهبت للمرحاض لتتوضأ ومن ثم ارتدت حجابها لتباشر فى الصلاة ، تناجى الله أن تنتهى تلك المحنة بسلام ، طرق الباب ليقابل بعدم الرد ، دخل للغرفة ليجدها ساجده وتدعو بخشوع وصوت بكاؤها اخترق أذنيه فأغلق الباب مرة أخرى تاركا إياها فى خلوتها ، قال له مالك بتساؤل:
ها..شوفتها !!
أومأ برأسه ليجلس أمامه فيقول مالك بنبرة مترقبة وهو ينظر لفارس متسائلا:
بتفكر فى ايه ؟!!
التقط ذلك البريق من الحزن الذى سيطر علي حدقتى عينيه ليسأل بقلق:
بابا..فى ايه ؟!!
أطلق زفيرا حارا وهو يجيب بعدما شعر بالغصة التى أشعرته بالإختناق:
فى أخوك.
اعتدل مالك فى جلسته متحدثا بإستهزاء:
بس هو اللى بيخفى كل حاجة عنك..هنعمله ايه يعنى !!
احتدت نظرته قائلا بصرامة:
ما لو انت مكانه..يمكن كنت حسيت باللى بيمر بيه.
أخذ نفسا طويل ليصطنع تلك البسمة محاولا أن لا تظهر السخرية فى نبرته المماطلة:
أنا آسف..بس هو السبب يا بابا فى التار ده..وهو كمان السبب إننا نسيب بلدنا من زمن وبعد كل ده سبنا ومشى.
ضيق ما بين حاجبيه قائلا بصعوبة وتحشرج:
ويا ترى سبنا ليه..أنا خايف ليكون فى حاجة !!
مط مالك شفتيه وهو يقوم متوجها للداخل قائلا قبل ذلك بعدم اكتراث:
معرفش..لما يرجع نبقى نعرف منه.
تنهد فارس بضيق وهو ينظر أمامه فى الفراغ بحزن وشرود.
*********************
فى شركة حسان..
يجلس عمار أمام لؤى يأخذ منه بعض الحسابات والملفات ليعمل عليها ، يريد أن يسأله..عنها ، تعب وإرهاق مصاب به وأصبح ملازمه ، نفسى قبل الجسدي ، يشعر بأن عقله سيصاب بالجنون فى إحدى المرات ، شعور بأنه فى دائرة ، يذهب ويسير وفى النهاية ، يعود ثانية إلى نقطة الصفر ، لا يكذب لو قال أنه بحث عنها ، بل لو استطاع أن يبحث عنها فى جميع أراضى الله لفعلها بدون أدنى شك ، لكن..ليس بمقدور بشر أن يفعل هذا ، مسح جبينه من حبيبات العرق المتناثرة بعدما عاد بظهره إلى الوراء ، شعر عمار بألمه ، لكن ليس ذلك الألم الذى يقطع أحشائه بلا أى طيات رحمة ، قال له بإشفاق:
أستاذ لؤى..انت باين عليك إنك مش قادر خلاص..أعتقد مفيش مقابلات تانى أو شغل..تقدر تروح.
رمقه وهو يبتسم بسخط ليقول بتبرم:
لسه فاضل عقد لازم إمضتى عليه..انت كده خلصت..تقدر تروح...وآه خد انت العربية أنا هروح باللى فى الجراش.
وقد أبدى اعتراضه ليقاطعه لؤى
بتصميم:
يلا يا عمار.
حدجه عمار بحسرة ، يشعر بأن هناك شيء يجعله يعذب نفسه ، يجهد عقله فى العمل حتى لا يستطيع التفكير فى شئ ، لكن ما هذا الشئ ، ليس له الحق فى معرفته لذا قام وهو يومأ برأسه ليتوجه إلى الخارج ، قام لؤى بعدها كأنه كان فى حاجة ماسة للإختلاء بنفسه ، قلبه يئن ويصرخ بإهتياج بداخله وما هو بقادر على شئ ، ليس هناك إلا حل وحيد لإلتماس الراحة ، وهو الوقوف بين يدى الله وبالفعل خلع جاكته وتوجه للمرحاض ، نظر لنفسه فى المرآة شاعرا بأن مضخه أصابته فى الجزء الخلفى من عقله ، استند بيده على المرحاض قليلا ومن ثم استكمل وضوءه ، ترجل للخارج فسمع طرقا على الباب ، ارتدى جاكته مرة أخرى ليأذن للطارق بالدخول ، وجد السكرتيرة تستأذنه بالمغادرة ليوافق ، إذا لم يتبقى إلا هو وهذا ما يريده ، قاطعه رنين هاتفه فضيق ما بين حاجبيه ولم يتوجه له ، صلى ركعتين وحقا قد شعر بأن البركان الثائر بداخله بدأ يخمد ، بالإضافة إلى أن رنين هاتفه لم يتوقف ، أجاب بنبرة رتيبة ليصاب بالفزع عندما تحدثت حنين سائلة بخوف:
لؤى انت بخير ؟!!
أجابها بإستغراب:
أيوه يا حنين.
سمع شهقة صدرت منها تلتها صوت بكاءها فسأل بخوف مترقبا:
فى ايه يا حنين..انتى بتعيطى ليه يا حبيبتى..فيه ايه ؟!!
مسحت دموعها بأطراف أصابعها قائلة بنبرة مهزوزة:
أصل..أصل حد اتصل عليا وقالى إنك..إنك عملت حادثة.
صيحة مستنكرة استخرجت منه قائلا بعدم تصديق:
انتى بتقولى ايه يا حنين...مين اللى اتصل وحادثه ايه !..ثانية..أنا تليفوني التانى فى العربية.
ردت عليه معاودة مرة أخرى للبكاء
بنحيب:
مين اللى كان واخد عربيتك يا لؤى ؟!!
صرخ مرددا بتثاقل:
لا..لا..لا لا لا...ده...ده عمار ....!!!!!
*******************

فى فصل كمان هينزل بليل أتمنى تبدو ارائكم😉
#دمتم سالمين
#نورهان السيد

الفراق قدرىWhere stories live. Discover now