-2- موسم الهندباء

820 73 174
                                    

"يوماً طيباً مينا!"
رفعت رأسي من خلف دستة الأوراق التي كنت أتفحصها بعناية خوفاً من إضاعتي لعضها لصوت آيجل الرخيم في نهاية الممر يحيني بتلويحة قبل أن يسرع للأسفل بخفة ويختفي طوله الفارع كما ظهر.

"لك أيضاً!"
هتفت بابتسامة واستمعت لخطواته تبتعد عن مسمعي. لابد أنه في فترة صباحية هذا الأسبوع. طوبى له فالبقاء مستيقظاً لوحدك طوال الليل أمر غير ممتع وغير صحي.

عدت أنا سريعاً لفرز ما بين يدي بعيني دون أن انتبه لخطواتي فأكاد أن أتعثر بظلي.

فزعت لرؤية الأوراق تكاد أن تقع لتتناثر في كل مكان ثم تنهدت كمن استعاد الحياة بعد الغرق عندما تمكنت من معانقة كل شيء لصدري مانعة إياهم من السقوط.

"تستطيعين قراءة كل هذه الأوراق حالما تصلين المكتبة."
التفت نحو الصوت الذي صدح من خلفي سريعاً وعلى الفور شعرت بالتوتر من رؤيتي ريالين تلتقط ورقة كانت قد فاتتني وتقرأ بوضوح سريعاً ما قد كُتب عليها.

همهمت الشابة باستيعاب فتساءلت عما وقع بين يديها.

"اعتذر."
غمغمت وطأطأت برأسي قليلاً احتراماً لوجود ربة الأسرة القادمة أمامي أما هي فبسطت شفاهها بابتسامة شبحية فحسب لم تستطع أن تنير عينيها الدكنتين ولا حتى قليلاً قبل أن تمد يدها نحوي لتسليم الورقة وهي تقول بهدوء:
"لا داعي، لطالما اعتقدت أن أمينة مكتبة القصر تحتاج مساعدة في الأرشيف لكن لم نجد الفرد المناسب لذلك بعد."

"أنا بخير لوحدي. حقاً."
التقطت الورقة لأضمها للدستة أمامي وأخفضت بصري الذي تشوش بسبب محاولتي للإمعان في ملامحها الضبابية أكثر.

"لا داعي للكتمان، بإمكانك التذمر قليلاً لي وللجدة."
سحبت يدها لنفسها وعرضت الفكرة التي لم تخطر على بالي قبلاً حتى. عملي مهم لكنه بسيط كما أنني متأكدة من أي فرد سليم وكامل سيرفض الجلوس في القصر والاعتناء بأعمال ورقية رتيبة. أتمنى ألا تحاول إجبار أحد اليافعين مستقبلاً على التطوع للفعل ما قد لا يطيق.

"شكراً لاهتمامكِ بي، أنتِ والجدة دائماً ما تفعلان، سأعود لعملي الآن."
قمت بتوضيب ما بين يدي وأعدت الورقة للمستند الذي فرت منه ريثما تأذن ريالين لي بالإنصراف فتخطتني قائلة:
"لاحقاً، مينرڤا."

تنفست الصعداء حين تلاشى ظلها الطويل من الأفق ففركت عيناي اللتان عاد النور إليهما وتحركت باتجاه المكتبة مجدداً.

"إنها تعويذة ما بالتأكيد."
غمغمت وأنا أضرب بالملفات التي حملتها من مكتب الطبيب يوناس سطح مكتبي الخاص. تذمرت تعبي بصوت عالي ما أن اختليت بنفسي وأنا أرمي بجسدي على الكرسي خلفي.

"لما قد ظننت بأنني قد أستطيع رؤية وجه ريالين من بين الجميع؟ لقد مرت فترة."
تمتمت وأنا أرفع بصري نحو الساعة لأدرك سريعاً بعدها أن لدي درساً قريباً فنفضت أفكاري الخاصة بعيداً مع رؤية العقارب تتسارع.

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now