-23- أطياف

289 35 323
                                    


في تلك الليلة لم أبرح غرفتي، حاولت حرق الكتاب لكنه كما توقعت غير قابل للتدمير بنيران دنيوية بسيط فلو كان لفعل الأسلاف ذلك منذ زمن.

راقبت بغضب استعر في قلبي النيران الحمراء في مدفأة غرفتي تحاول إبتلاعه لساعات حتى ضعفت وأعلنت استسلامها فتركته هناك جالساً بين الرماد.

بعد أن عدت من زيارة نورمانوس، لم يحاول أحد سوى ريم تفقدي لتقدم تلك الأخيرة طعام العشاء المتأخر بعيون إمتلأت قلقاً.

"ريم."
ناديت عليها عندما همت بالرحيل لتستدير نحوي سريعاً حيث جلست على كنبة أمام طعامي المتموضع على الطاولة، أحدق بالبخار الدافئ يتعالى من الحساء الداكن ليشكل غمامة بسيطة تختفي سريعاً كل لحظة.

"نعم!"
ضغطت أناملها ضد الصينية ووقفت بعيون التمعت فضولاً كالقطط، تؤكد على أنها سمعتني وتنتظر كلماتي.

"أنتِ لا تمانعين الجلوس هنا معي لبضعة دقائق..."
أشرت للكرسي المبطن بالصوف بقربي ثم رفعت وجهي نحوها لابتسم بتعب مستفسرة:
"أتفعلين؟"

"أبداً!"
هتفت ريم بصوت عال جعلها تتنحنح سريعاً بحرج لتستدرك فعلتها قبل أن تقترب من حيث أشرت لها أن تجلس. فعلت دون أن تزيح بعيونها المترقبة عني، تماماً كجرو صغير.

"أتحتاجين أي شيء؟"
سألت وهي تسير بصرها ما بين صدري المغطى بالريش وكفي اليسرى التي كنت قد استعملتها للكم يوناس فتحول لونها للأزرق القاتم حيث تسببت بتمزق أربطة عضلاتي الضعيفة.

"أنا بخير."
حركت أناملي في وجهها على مهل متحملة الألم.
"غلاكوس يستطيع الاعتناء بجروحي."
أجبت فحركت عيونها نحو صاحبي الذي شاركنا الطاولة وأخذ ينهش الخبز الطازج ليتناوله بنهم.

"لم يفعل ذلك قط من قبل."
غمغمت هي وكأنها تستفسر. محقة بسؤالها، لما عل غلاكوس كان دائماً يحاول حمايتي وحسب ولم يتصرف يوماً عندما كنت أصاب بالجروح والكسور؟

"لسببين..."
فتحت كفي لغلاكوس الذي قام بقطع حصتي من الخبز وحملها بطرف منقاره ليقدمها لي. تناولتها منه واستطردت:
"الأول يعود غالباً لعدم صحوتي بشأن نفسي."

ريم جلست بتأهب وحبست أنفاسها حين اقترب منها غلاكوس بقطعة خبز في منقاره مناظراً إياها بعيونه الذهبية دون أن يرمش.
ضحكة قصيرة تركت صدري.
"إنه يقدم لكِ الخبز."
رفعت ريم بصرها نحوي للحظات فشجعتها:
"لا ترفضي لطفه رجاءً."

كورت الفتاة يديها أمامها فترك البوم القطعة بين كفيها قبل أن يتراجع نحو ما أبقى لنفسه ليتناوله ويبدأ القضم والابتلاع.
"أما عن السبب الثاني..."
قمت بتغميس قطعة الخبز في الحساء متنهدة.
"غلاكوس على الأرجح كان يحاول إخفاء حقيقتي...حقيقتنا، لكي لا يتم حبسه وإيذائي عن طريقه، ولو عن طريق الخطأ فنحن متصلان بروابط قوية لكنها غير مرئية."

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now