-5- لأجل أحدهم

379 48 178
                                    

رأيت الريش الأبيض يسقط من السماء وعيون البوم الذهبية إنبثقت من اللامكان لتوقظني من حلم فارغ.

استقمت في سريري على مهل وحدقت حولي بنعاس. ما رأيته لم يكن كابوساً بالتأكيد لأنني لم أشعر بالخوف ولست أتصبب العرق البارد حالياً ولكنه لم يكن بحلم حميل أو ذو مغزى أيضاً.
"ماذا كان؟"
غمغمت.

نهضت نحو شرفتي بتلقائية لأجد غلاكوس يقوم بإدارة عنقه المرن نحوي على الفور ويرمقني بنظراته الحادة البعيدة ما أن فتحت الباب. مسحت على رأسه وتحديداً قرب الريش الذي ارتفع من رأسه كالأذنين ليغمض عينيه للحظات.

"أكنت تحرسني أم تنافس السيد لوبو على فئرانه الغالية؟"
سألت بابتسامة باهتة. مرت بضعة أيام ولا شيء تغير عدا أن مواعيد دروس ريم وفرويد عادت لمنوالها الطبيعي.
"هذا هو الطبيعي بالفعل."
ورغم أنه كذلك شعرت بوحدة لا أحس بها عادة سوى حينما يغادرني طلابي.

استمتعت بزيارة نورمانوس للمكتبة. كان واعياً وأول شخص أقضي معه الكثير من الوقت في نقاشات ممتعة منذ فترة.

"لا يجب أن أعتادهم فجميعهم سيرحلون."
نبست بكلماتي لنفسي إذ أن موعد تخرج فرويد بات قريباً ولن يبقى في القصر طويلاً، لن أراه سوى في المناسبات المهمة...فقط كالآخرين. سيكبر وعيناي لن تدركا هيئته وأذناي لن تألفا صوته ولن أعلم إن كان يحترمني أم لا كما هو الآن فطباعه ستتبدل. سأستقبل مع ريم أفراداً جدد آخرين والحلقة ستتكرر. هكذا هي حياتي وهذه هي مهنتي التي اختيرت لي.

نور الصباح أخذ يرتفع في الأفق ومعه حلق غلاكوس وكأنه يتبع خيوط الشمس بعد أن أصدر صوت نعيق عالي ورفرف بجناحيه يدعوني لمراقبته يستعرض قدرته على التحليق.

حدقت به حتى تلاشى خلال الضوء ثم ملأت رئتي بالهواء النقي ودلفت للداخل بشعور جديد. أغلقت باب الشرفة وأسندت رأسي لزجاجها. يجب أن أطلب من الجدة باتريشا أن ترسل طلباً بعودة نورمانوس لأعتذر منه وأوضح للجميع أنه سوء فهم وأن ظنونهم السيئة مخزية.

.
.
.

أنهيت أعمالي مبكراً ورحت أرتب ما تبقى من أوراق على مكتبي فأغلقت علبة الحبر الأزرق السائل بإحكام وقمت برص الأوراق الغير منتهية في مجلد خاص ابقيه أعلى المكتب على الدوام.

تفاجأت بالنور الباهر الذي ظهر من خلفي فهو لم يصدر عن شخص سوى أختي التي حطت بقدميها أمامي ونظرت لي بما يبدو بإنزعاج ممزوج بالقلق.
"سمعت أنكِ طلبتِ لقاء الجدة باتريشا."
لم تكن تسأل بل تعلن لكي لا تمنحني خيار الإجابة بصدق أو الكذب لكن هذا لم يكن الأمر المهم.

"لما أنتِ هنا مايبل؟"
سألت مقطبة حاجبي باستغراب لتسير نحو مكتبي وتفترش مقعده المريح البسيط متجاهلة سؤالي.

"لما؟"
شددتْ مايبل على سؤالها، كانت تفرض شخص الأخت الحازمة الكبرى علي الآن. عقدت ذراعيها أمام صدرها ونظرت في وجهي مباشرة بعد أن سيرت عينيها على سطح مكتبي لتستشف ما كنت أفعله وكأنها مستعدة للبقاء في هذه الوضعية حتى أجيبها.

بـومـة مينـرڤاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن