-17- إنذار من الأومورا

311 43 317
                                    

"دعونا ننهي درس اليوم بهذه الفقرة."
قمت بإغلاق الكتاب بين يدي فبدأت المجموعة المتألفة من بضعة فتيان وعدة فتيات بجمع أشيائهم التي افترشت الأرضية والطاولات، منهم من قام يتمطى ومنهم من راح يدوّن الملاحظات بريشة الحبر الأسود سريعاً قبل أن تخذله ذاكرته عن أي كلمة مهمة كنت ربما قد نطقتها سابقاً.

"مينرڤا حقاً ماهرة بتبسيط الأمور."
حدثت فتاة صديقتها وهن خارجات من الباب.
"إنه بسيط طالما تقنعين نفسكِ بذلك."
أجابت زميلتها بتبجح ونظرة اعتزاز ترفع ملامحها.
"أتمنى أن تُدرسنا إلى الأبد."
كلمات طفولية نقية غادرت فاه الأولى لتصل مسامعي قبل تختفيا تماماً. لم أستطع سوى الابتسام مع نفسي بسعادة إذ لم أقضي مع الأطفال هنا سوى قرابة الشهرين ولكنهم بالفعل يستلطفون شخصي ودروسي رغم صعوبة الموضوع الذي يدرسونه.

شعرت بعينين تحدقان بي بقوة فقمت بإمالة رأسي نحو أصغر فرد كان قد شاركنا جلسة اليوم لأول مرة. حاملاً كراسة من الورق الأصفر بيد وريشة ذات رأس حاد تقطر الحبر بالأخرى سأل بفضول بحت:
"أين تعلمت كل هذا عن اللغات القديمة؟ ألم تنضمي لنا منذ فترة فقط؟"

فاجأني قليلاً لسؤاله عن خلفيتي لكن الصفعة المؤنبة التي هزت رأسه تركتني غير قادرة على الحديث حيث أجفلتني أكثر وحسب.
الشقيق الأكبر الذي أمسك بكتفي أخيه الصغير قام بإنزال رأسه قليلاً بحرج.
"اعتذر مُدرستي، قد يملك أخي الصغير ذاكرة جيدة لكنها لا تسعفه عند انتقاء كلمات الحديث."
تأسف مني بلباقة فابتسمت لأطمئنه أن الأمور بخير، إذ أنني ممتنة لمراعاته لكن مثل هذه الأسئلة تكررت كثيراً في الشهور الماضية ولم يعد من المفاجئ سماعها.

"فضوله في مكانه، لا يجب أن نستفسر عن المعرفة بحد ذاتها فقط بل ومن أين أتت بالمثل، فلا تختلط علينا الحقائق بالقيل والقال."
رفع الفتى رأسه بنظرة استغراب على سماع كلماتي ومعه شقيقه الأصغر الذي رأيت بأن عيونه الزرقاء كانت مازالت تلتمع كالقطط الفضولية.

"أين كنتِ؟ أخبريني!"
هتف فجأة وتملص من قبضة شقيقه ليقترب من حيث كنت أجلس أنا على أريكة واسعة وأسفل قدمي بساط من الصوف يمنع البرد من تناول أطرافي.

"أريد الذهاب والتعلم حيث درستي!"
أضاف بحماس أما وجه شقيقه الأكبر فتورد حرجاً حين رمى أخوه الصغير بنفسه في حضني وأخذ يريني رسومات كراسته من جبال وسهول وأنهار وبحار، كلها كانت طفولية بحتة لكن الشغف الذي وضعه في رسمها جعلت قيمتها تصبح أضعاف الأضعاف في عيني.

راح يسرد لي عن الأماكن التي يود زيارتها، التي كانت قد نشأت فيها عدة لغات قديمة أخذت عقله الفتي فاستمعت له دون مقاطعة وأشرت بكفي لأخيه الأكبر بأنه لا بأس بقربه أو ثرثرته بالنسبة لي.
عدم ترك الطفل ليخبرك عما يستهويه وعدم إعطاء قيمة لاهتماماته تصرف سيحبطه، خاصة عندما يتعرض للرفض من شخص مهم كمدرسه.

بـومـة مينـرڤاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن