-21- أرشيف الذكريات

297 39 316
                                    


بعد بضعة أيام من الإدعاء وكأن شيئاً لم يكن لاحظت أخيراً نظرات أفراد الحكماء من النوكتوا، كانت معاملتهم لي مازالت طيبة لكن عيونهم إلتمعت خلال الحديث معي بشرارات القلق. مايبل فضحت أمري على أنني الأرشيف أمام الجميع فغدوت أبدو كالقنبلة الموقوتة التي قد تُفجر سلام دارهم على حين غرة.

لا أضمن سلامتي أو سلامتهم منذ البداية، قد يكون سيد ريغان الحالي متفهماً لوضعي لكن القادم قد يقرر التخلص مني ويؤذي بطريقه الأبرياء، خاصة إن عشت مطولاً كما يفعل أغلب النوكتوا، رغم أن هذا لن يحدث بصحتي الحالية، أنا شبه متأكدة.

شخصية واحدة لم تتغير معاملتها لي لجانب سونالي وميكايل فتوجهت لها على أمل أن ألقى بعض الحلول لمعضلتي. جلست كالعادة بقرب كنبتها الوثيرة أسفل أنظار بومها الذي كان يغفو أغلب الأوقات كعجوز هرم.

"يبدو أن الكثير من الأمور تحصل مؤخراً وتذيب ثلوج وجليد صرحنا العظيم."
علقت خالتي باسمة ورغم أن الإشارة لذوبان الصرح لا تشير لخير إلا أنني ضحكت.
"بسبب شعلة تسمى بابنة الأخت، لن تجلب سوى المزيد من الحريق."
علقت ساخرة من حالي فأسدلت أهدابها للحظات مضيفة بحنو هدأ من روعي:
"شعلة تنير دهاليز قلبي المعتم."

"أتظنين بأنه من الجيد أن يتم إخراجنا من جحرنا هذا يا خالتي؟"
سألتها بحاجب مرفوع فنظرت لي بعيونها السماوية التي فقدت شيئاً من لمعانها للعمر مجيبة بهمس:
"لما لا؟ فمكاننا في الخارج بالأصل."

وضعت ما تحيكه من صوف في حجرها ولوحت بكفها متحججة بصوتها العتيق:
"كل الأنواع الأخرى تسرح وتمرح في الأرض بينما نعيش نحن هنا أعلى جزيرة مثلجة، نحن من اعتدنا أن نكون كائنات تجوب الأرض والسماء وما بينهما."

"لو لم يكن الفِكر الحر ما يقدسه النوكتوا لكنا قد طُردنا من هذا المجتمع منذ زمن، أنا وأنتِ يا خالتي."
قبضت أناملي بغبطة سخيفة لشعور التفرد الذي أحسست به، رغم أنني أحب الحياة هنا إلا أنني أدركت أنها رتيبة أكثر من قصر ريغان حتى وأعتقد أن شعور التمرد الذي دفنته في صدري لم أرثه سوى عن أمي الحقيقية الراحلة.

"لم يعد هناك شباب يطوقون للترحال وجمع المعرفة والعلوم كالسابق خوفاً من التعرض لبطش الكائنات الأقوى لكنهم نسوا أن النوكتوا مميزون بدورهم فهم الوحيدون الذين يستطيعون التحليق..."
تنهدت وكأنها تتحسر، عيناها حدقتا بالنور خارج النافذة وبومها هدل لأول مرة بخفوت مشاركاً إياها مشاعرها.

"أتحاولين تشجيعي الآن على الترحال؟"
سألت بتلطف.
"ألن تقلقي من أني قد لا أعود؟"
نبست بخفوت وانتظرت ردة فعلها بتوتر لكنها بعكس ما ظننت ابتسمت.
"لم أندم يوماً على عدم منع والدتكِ من الذهاب، واثقة أنها فعلت ما أرادت فعله واستمتعت بحياتها رغم أنها كان من الممكن أن تكون أطول."
اعترفت خالتي بنبرة حنون ثم سردت بحالمية:
"ارتحلت حول أعلى نقاط الأرض وأسافلها، وجدت زوجاً لها وعاشت حلماً وردياً، تعرّفت على حراس التوازن وأنجبت طفلة حسنة الجمال، طيبة الروح، حسنة العشرة."
أطراف شفاهي ارتعشت على مسمع النبرة العطف التي تحدثت فيها خالتي عن أمي وأخذت بالمثل تمتدحني بها.

بـومـة مينـرڤاOnde as histórias ganham vida. Descobre agora