-3- نورا

577 63 320
                                    

عيناي اتسعتا لرؤية العديد من الأشخاص في صالة الطعام فما كان مني سوى أن أتراجع ببطء ثم ألتصق بالجدار وألهث أنفاسي المتفاجئة.

"ما خطب هذا الحشد؟"
تمتمت بيني وبين نفسي في محاولة لاكتشاف سبب وجود الكثير من الأفراد في القصر الرئيسي على غير العادة. الجميع يعملون لأيام طويلة خارج القصر ولا يتواجد في أروقته يومياً سوى الأطفال، الطبيب يوناس وأخيراً أنا. ما الذي فوته؟

"مينا!"
صياح صوت أنثوي رفيع جعلني استفيق من شرودي، عيناي ترمشان بسرعة للوجه الوحيد الذي كنت أستطيع رؤيته منذ الصغر بوضوح وما أزال دون أن أعاني من الألم.

"مايبل!"
ابتسامة عريضة شقت طريقها نحو شفتي لرؤية أختي الكبرى تعدو كطفلة نحوي قبل أن تنقض علي وتعتصرني بين ذراعيها القويتين.

عيناها أشرقتا بنور السماء حين نظرت نحوي وكورت وجهي بين كفيها لتقرص بشرتي متحدثة وكأنه تدلل طفلاً:
"انظري إليكِ تزدادين ظرافة كلما طالت المدة التي أبتعد فيها عنكِ وعن القصر."

"أنتِ من يزداد جمالاً يا أختي."
تحدثت بتلعثم بسبب اعتصارها الشديد لوجنتي وهي رسمت ابتسامة أظهرت أسنانها البيضاء. عيناها الزرقاوان ترقرقتا بالدموع وشهقاتها أصبحت مسموعة فما كان مني سوى أن أحضنها لتقوم بالمثل. لقاءاتنا دائماً ممزوجة بالألم. كان يمكن لهذه السعادة أن تكون أبدية لولا الفراق... لولا وجود ما هو أهم من هذه المشاعر بالنسبة لعائلتنا.

رأسها استندت لكتفي وسمعت صوتها يتحشرج بقرب أذني:
"أتمنى لو أنني استطيع أخذكِ معي، لو أنني أستطيع ترك عملي لوقت أطول..."
الفرق بيني وبينها أنها كانت تنطق آمالها.

لم أراها منذ شهور طويلة. شعرت بشعور مماثل وغبطة السعادة بلم الشمل هذا...كالعادة. كيف لا أفعل.

بدا وكأن فاهها امتلأ بالمزيد من الكلام لكنها لم تنطق فما كان مني سوى أن أمسح ظهرها بلطف متحدثة:
"أنا بخير ماي، لا أريدكِ أن تحاربي أعضاء الوزارة لإدخال كائن غريب مثلي عالمهم."

"أنتِ لستِ غريبة مينرڤا."
اعتصرت مايبل كفاي بين يديها عندما ابتعدت عني فجأة ونظرت في عيني بغضب استعل في خاصتيها مردفة بنبرة ثابتة:
"أنتِ ريغان. أولئك الحثالة لا يمتلكون شيئاً ضدك، لا يحق لهم أن يفعلوا وإن فكروا..."
عيناها أنارتا بالذهبي للحظة سريعة.
"سأنزع نورهم المزعوم من قلوبهم مباشرة."

ضحكت فزمت هي شفتيها على ردة فعلي.
"بحقكِ."
حمحمت مايبل بحرج وهي تبتعد قليلاً.

"أعني...شكراً لكِ. أنا ممتنة لامتلاكي شقيقة قوية وعظيمة مثلك مايبل."
التقطت كفها اليمنى بين يدي فأمالت رأسها لتتدلى خصلاتها الذهبية المموجة على عينيها.
"لكن..."
أضفت. نظرت في عينيها مباشرة.
"لا أريد لسمعتكِ بينهم بأن تتضرر بسببي. يجب أن نبقى حراس التوازن الأقوياء في أنظارهم. أنا سأكون كالحصى في طريقكِ."
بررت.

بـومـة مينـرڤاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن