-27- رافيتوس ليلوي

372 45 273
                                    


صوت نقري بالقلم على الطاولة كان كل ما داعب أذني لفترة، يهدء من روعي ويساعدني على التركيز رغم كونه رتيباً.

لم أرى أي شخص في الأيام الثلاثة الماضية، هذا يعني بأن كل شيء يسير على قدمٍ وساق والرحلة ستبدأ قريباً.

فتحت عيني على مرأى غلاكوس يتوقف في النافذة بعد أن عاد من رحلته الصباحية في الجوار، رفرف نحو مكتبي وهدل وكأنه يعلن عن عودته لكنني تجاهلته بإدارة رأسي جانباً وحسب.

بدت فكرة الإنفصال عني كفكرة جيدة له عندما أدرك بأنني لن أرافق نورمانوس ما إن كان لن يخرج من مخبئه على ما يبدو، لا أدري إن كان يفهم الآخرين أم كلامي وحسب؟ أيستشعر نيتي؟ أياً كان، أنا لا أستطيع إخفاء شيء عن غلاكوس.

بومي تسلل أسفل ذراعي في محاولة للفت إنتباهي فنهضت لأسير صوب النافذة وأتوقف هناك محدقة بسماء اليوم الغائمة، أسمع الرعد البعيد قادم، يوم ممطر آخر يقترب.

أصدر البوم زقزقة كئيبة من الخلف. لابد أن غلاكوس يفهم إستيائي منه، فاليتحمل عقابه، لقد دللته كثيراً وأصبح يثير المتاعب مؤخراً.

كدت أن أعطس حين تهادت ريشة رمادية على وجهي من اللامكان لكنني أمسكت بأرنبة أنفي وإلتقطت بيدي الحرة الريشة التي لم أظن بأنني سأراها قريباً.
"بولاريس."
همست باسم الطبيبة وأنا أتحرك سريعاً نحو المكتب، بحثت عن ورقة فارغة في الدرج وفرشت السطح بعد أن هشهشت غلاكوس بعيداً. وقف الأخير على الطرف وشاهد معي الريشة تطفو فوق الورقة ما أن تخلصت من الختم الدموي الجاف لتبدأ برسم حروف رسالة بولاريس بخطها الخاص الفذ.
"يا فتاة..."
يا لها من بداية تؤكد أن الرسالة من بولاريس.
"يجب استئصال الطفيلي الذي وصفته لي في الحالة بأي طريقة ولو عنى الأمر موت الحاوية."
تنهدت بخيبة، وأنا كنت قد ظننت أن البداية فظيعة.
"لا يمكنني تشخيص طريقة سليمة لعملية معقدة تتعلق بالدماغ دون محاولة أولى فاشلة إذ لم يمر على رأسي مثل ما تصفينه من الطفيليات قط. قد يبدو ما أنتقيه من كلمات فظيعاً لكن مرض السخام الأسود هذا أسوأ مما كنت قد ظننت في البداية. لا نتحدث عن مجرد طفيلي يفتك بالكائن الحي بل يستعمله كحاوية ليمارس نشاطاته الخاصة أياً كانت، دخلاء غير مرغوب بهم مثل ما أسلفت قد يتسببون بكارثة كونية."
أفهم أيتها الطبيبة لكنني لا أنوي الاستسلام بسهولة لخيار قد لا يغير شيئاً، ما فُرص أن نجد طريقة سليمة للتخلص منه؟ يجب أن تُحل المشكلة من الجذور.
"أتطلع لعودتكِ بعيّنة حيّة قريباً.
بولاريس."
قرأت نهاية الرسالة بعيون شاردة، لا يبدو أن بولاريس ستعطيني نظرية طريقتها أو حتى أملاً بسيطاً بهذا الشأن.

غلاكوس رفع جناحيه فجأة، جسدي بأكمله اقشعر عندما لاح ظل غريب أعلى رأسي فالتفتت بسرعة نحو جانبي الأيمن لأجد رجلاً لم تألفه عيناي يقف على مقربة ويحدق من فوق كتفي برسالة بولاريس بأنامله تحمل ذقنه.

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now