-31- أبدي

266 43 201
                                    

استيقظت بعيون جاحظة عندما لم أشعر بحرارة جسد نورمانوس ضد بشرتي. استقمت بسرعة ورحت أهدئ من روعة أنفاسي المضطربة ما أن رأيته يقف في الشرفة يستند بمرفقيه للسياج الحجري وبقربه غلاكوس يقوم بإهدائه بعض المكسرات.

نور الشمس كان يستعد للبزوغ في الأفق المظلم والطيور بالكاد بدأت تصحوا.

بدني بأكمله اقشعر للسعات الصباح الباردة ففركت عضدي، قميص نورا المرمي لطرف الفراش كان أول شيء حط بصري عليه فوجدت فرصتي أخيراً بارتدائه.
الفكرة مرت على بالي عدة مرات.
كان الأمر في البداية يبدو كرغبة بسيطة لا معنى منها لكن الآن وعندما أغلقت الأزرار لأغرق برائحة عطره الجميلة تأكدت من أنها كانت شيئاً مهماً ويستحق التطلع لأجله.

سرت بخطوات متمهلة نحو الشرفة، مفاصلي تؤلمني وذلك الدوار الطفيف الذي تمكن مني جعلني أنكب على ظهره الواسع المشبع بالعروق السوداء دون أي مقدمات.

"المزيد من الكوابيس؟"
سأل فهمهمت بالنفي مع فرك وجهي ضد بشرته الدافئة.

كل ما في الأمر أنني خفت من كون ليلة البارحة حلماً وحسب، لكنه لم يكن...
"ياللسعادة."
همست مبتسمة.

تصرفي جعله يستغرب، شعرت به ينظر من فوق كتفه لي عندما تحدث:
"ارتشفتِ دمائي وليس الخمر، لكنكِ لا تبدين في وعيكِ."
ضغط إبهامه فجأة ضد جبهتي لأستقيم.

"لما كل هذا العبوس سيد كئيب؟"
حركت وجهي نحوه محتملة الضغط فرفع حاجبيه ثم قطبهما.
"آسف، أفكر بالقادم أكثر من اللازم. رغم أن كل شيء قد تقرر بالفعل إلا أنني مازلت أريدكِ أن...تحيي."
اعترف وأنا تفهمته لكنني قد انتقيت خياري ولا مجال للتراجع عنه بعد الآن.

رفعت ذراعي أطلب منه بصمت حملي ففعل، ربما كان فعله لهذا مراراً محرجاً أو يذكرني بما هو مؤسف لكنني أحببته بحق ومازلت.

سيرت إبهامي على خط فكه.
"قد يكون قراري غير جدير بالاحترام لكن يجدر بك تقبّله."
طلبت فوضعني على حافة السياج ممسكاً بخصري بكفيه خوفاً من أن أقع، أنا الكائن الذي من المفترض أن الأعالي مكانه.

"قراركِ متهور وأناني ويحطم قلبي، أين ذهبت حكمتك؟"
إنخفض بجذعه أمام وجهي فابتسمت مجيبة ببساطة:
"الحكمة في رأيي لا تعني دوماً الرشاد، حكمتي تغيرت وتبدلت لتتناسب مع ما أعيشه وما أريده."
رفعت ساقاً فوق الأخرى وأملت برأسي يمنة لتتمايل خصلاتي مع حركتي.
"وربما أنا مجرد طفرة."
قد يصف النوكتوا أنفسهم بأهل الحكمة لكنهم يكتسبونها ولا يولدون بها، ليس مثالية، لا يمكن أن تكون.

"لأجل شعور كنتِ تستطيعين الاستمرار بتجاهله..."
تنهد، غلاكوس حضر بحبة جوز جديدة، كان قد جمع بعض البلوط بالمثل رغم أن لا أحد منا قد يتمكن من أكله.

"لم أكن لأستطيع الاستمرار بذلك وغلاكوس يجبرني على النظر نحوك على الدوام."
حككت رأسه الأبيض فهز ريش ذيله. بومي كان فقط يجسد مشاعري، يُفصح عنها، دماء نورمانوس لا علاقة لها بتصرفاته، هو لم يرد لي أي شخص سوى هذا الشاب بحق لأنه يعرفني أكثر من نفسي.
"ولهذا بالذات اتخذت ذلك القرار، أنا كنت سأعيش بلا فائدة، بلا أجنحة، بلا رفيق أحبه، أرثو حالي وما حصل لك قبل أن أموت حزناً على فراقك."
أمسكت بالجوزة التي حطمها غلاكوس بمنقاره لقطتعين ورحت أنظف القطع القابلة للأكل قبل أن أرفعها نحو شفاه نورمانوس مضيفة:
"يوم واحد معك يعوض حياة كاملة من الفراغ."

بـومـة مينـرڤاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن