-4- الأيّم الشقراء

427 51 276
                                    

لم أتوقع أن يزورني نورمانوس بسرعة.

"نورا!"
هتفت من مكاني وابتسامتي اتسعت عندما رأيته يقف في باب المكتبة المفتوح على مصراعيه. ريم قفزت على الأرائك لتلقي نظرة بدورها أما فرويد فلم يتزحزح بل وعبس أكثر من المعتاد، هذا كان ملحوظاً حين نفخ وعقد ذراعيه أمامه.

جال ببصره الزجاجي في الأنحاء للحظات ثم قدم ابتسامة بسيطة متأسفة لي وكانه يعتذر عن المقاطعة.
"يبدو أن آنستي مشغولة، سأعود لاحقاً."
قمت بهز رأسي بالنفي على كلماته وأنا أغلق الكتاب بين أناملي سريعاً.
"لا داعي، لقد انتهيت من التدريس لفرويد وريم للتو فقط، كما أنني أخبرتك بالفعل أنك مرحب به دائماً."
نهضت مضيفة بإحتفاء:
"أرجوك تفضل بالدخول."
لم تكن المكتبة حيزاً خاصاً بي في الأساس ولطالما أحببت أن أرى الشبان والشابات يزورونها من فترة لأخرى بحثاً عن إجابات أسئلة تثير فضولهم.

اتجهت نحو مكتبي ولاحظت أن ريم كانت قد لحقت بي بوجهها بالفعل لتتذمر:
"مينا بما أننا انتهينا اليوم أيمكننا الرحيل الآن؟"
فكرة أنها متعجلة على مطاردة السيد لوبو في الحديقة خطرت على بالي وجعلتني أضحك داخلياً. لن تستطيع إمساكه، فإن قرر ذلك القط أنك لا تستحق مسحة من فراءه فيجدر بك الاستسلام وحسب لكنها مثابرة.

"ليس دون أن تأخذا الواجب."
حملت كتابين كنت قد قمت بتحديد الصفحات التي يتوجب بهما قراءتها بين يدي.
"أتطلع لسماع تلخيص هذا وذاك."
قمت بتوزعيهم.
الكتابان كانا مختلفين لكي لا يتنمر فرويد على ريم ويجبرها على قراءة الكتاب بنفسها ثم إطلاعه على المحتوى دون أن يبذل جهداً. لقد فعلها قبلاً وأعطاها قطعة شوكولاه في المقابل. بدت صفقة جيدة لها ولكنها لن تتطوع بقراءة الكثير بمثل هذا الأجر البخس مجدداً.

"أنتِ تعلمين بالفعل عما يتحدث هذا مينا."
تذمر الفتى كالعادة وهو يلوح بالكتاب بين أنامله وقبل أن أنطق بالفائدة التي سيحصل عليها من الإطلاع عليه بنفسه نورمانوس كان قد تحدث من خلفه:
"أنت من يحتاج هذه المعرفة وليس هي."

فرويد عقد حاجبيه بشدة.
"ألحقت بي هنا لتزعجني؟"
نهض من مكانه وسأل ناظراً نحو الشاب أعلى رأسه بحدة.

"لا بل للحصول على النعمة التي ترفضها أنت."
ابتسم نورمانوس في وجهه وحين تلمس شعر فرويد الداكن ذاك زفر بشدة ثم تملص من لمسته.
"لا تدعي اللطف."
غمغم الفتى من أسفل أنفاسه فلاحظت على الفور معاني وجه نورمانوس تتبدل سريعاً. لم أفهم النظرة الباردة التي اعتلت ملامحه لوهلة إذ أخفى كل شيء مجدداً في لحظة خلف ابتسامة شاحبة.

متأبطاً كراسته وكتابه بحركة معتادة أسفل ذراعه قام فرويد بحشر كفيه في جيبي بنطاله قبل أن يتجه نحو الباب.
"طاب يومكِ مينا."
رغم أن نبرته لم تخلو من التذمر إلا أنني ابتسمت لحفاظه على شيء من السلوك الحسن.

بـومـة مينـرڤاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن