-13- فنون الدم

301 49 298
                                    

رحت أتلمس الجدران بأطراف أصابعي وأنا أسير على مهل خلف ظل نورمانوس الطويل، جسدي موجود لكن عقلي تائه بسبب ما حصل سابقاً. لم ينبس ببنت شفة منذ أن وبخني وأنا لم أستطع فعل سوى المثل. كل المفردات التي تعلمتها في حياتي حلّقت من رأسي فغدا كبالون هواء فارغ.
اعتذار أم عتاب؟ ما الذي يجدر بي قوله؟

المكان كان هادئاً مثلنا طوال فترة تجولنا والغرف الواسعة التي احتوت بيوتاً يوماً كانت فارغة بطريقة مريبة جعلتني أتمنى بحق ألا نواجه فخاخاً أخرى.

"ابقي بقربي."
تحدث نورمانوس فجأة لأنتفض في مكاني، صوته ارتد في الممر الذي أظلم لغروب الشمس فلم يبقى من أثارها سوى ضوء شمعة أحمر شحيح يصلنا من نهاية النفق.

رطبت شفاهي وتعجلت بخطواتي المتكاسلة لألحق به ما أن لاحظت أنني كنت قد تخلفت عنه بالفعل.
"وتوقفي عن السرحان."
نظر نحوي بطرف عينه التي استعادت لون العقيق الداكن من فوق كتفه ثم أشاح.
"ما فعلته سابقاً لم يكن بقصد تقبيلك، لا داعي لصنع مثل هذا الوجه الكئيب."
توقفت مكاني... بل تعثرت. أنا أعلم ذلك بالفعل لكن ما الذي يعنيه بحروفه هذه الآن؟ هذا لا يعني بأنه يشعر بالقرف من فكرة تقبيل شفاهي صحيح؟! أم يفعل؟ أفعل؟

استجمعت شتات نفسي ولحقت به حين رأيته يستمر بالسير دون أن يتوقف.
"مهلاً..."
التففت حوله وجعلته يتوقف.
"أتشعر بالقرف مني؟"
سألت بشيء من العتاب فبدا مصدوماً عندما نظر نحوي أخيراً.
"ماذا؟! لا!"
أجاب بسرعة، كدت أن استفسر أكثر لكنني أغلقت فاهي ما أن أمسك بكتفي بقوة ولاحظته يصب كل تركيزه على القاعة التي وقفنا أمام بوابتها المقوسة.
"اشتم رائحة كريهة."
نبس وهو يكرمش ملامح وجهه بإنزعاج، عيونه تسير بنظرات احتدت بشدة حولنا.

ضغطت أناملي بجانبي بقوة عندما نظرت حولي بتكعن أخيراً لأرى أن الممر كان قد انتهى لحجرة واحدة مهولة. شابهت كل حجرة مررنا خلالها لكن هذه كانت ذات سقف عال ومنيرة بطريقة باهرة لبركة المياه العذبة التي إمتلأت بالطحالب المشعة باللونين الأزرق والأخضر.

نورمانوس تركني بلطف وتقدم للداخل بخطوات صامتة اتبعتها بدوري بهدوء شديد لأدرك سبب تبدل ملامحه أخيراً فترتعش أطراف أناملي بقربي. كان منظر القاعدة ليكون رائعاً لولا تلك الدماء الداكنة الجافة التي لوثت الجدران.

حاولت تجاهل المادة وركزت على المحتوى إذ لم تبدو مجرد لطخات.
"إنها حروف الرون القديمة..."
نبست بذهول عندما ألفت أن تلك الرسوم الدموية ليست عشوائية.
"ربما هذا ما يسعى خلفه العابثون!"
بحماس أضفت مقتربة. لا يمكننا تجاهل الغرفة المريبة خاصة بعد أن وصلنا هذا الحد.
"قد تكون طلاسم مشفرة لشيء مهم أو جزء من تعويذة مندثرة أو ..."
سلسلة أفكاري إنقطعت على صوت نورمانوس يلهث باسمي فجأة بخفوت.

"تراجعي!"
هتف ودماؤه الداكنة التفت حولي لتبعدني نحو نهاية الحجرة أما كل ما رأيته أنا فتمثل بشريكي يتم سحب جسده من قبل ظل أسود مهول كان قد خرج من ظلمات الممر الذي أتينا منه. قيّد نورمانوس بمجسات هلامية ثخينة بقوة حين وجد مقاومة عنيدة منه وكأنه يحاول أن يبتلعه في ظلاله على مهل.

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now