-8- ضياء نجم مسائي

380 53 260
                                    

شهقت بألم وجسدي ارتعش بأكلمه لأستدرك أنني غفوت على مقعد مكتبي ووجهي بين ذراعي المتخدرتين على الطاولة وأول ما لاحظته كان عيون غلاكوس الذهبية تحدق بي من فوق رف قريب بصمته المعهود.

"أنا أراك كثيراً في أحلامي مؤخراً يا غلاكوس."
حدثته دون أن أزيح ببصري الخاص عنه ثم أضفت وأنا استقيم في مكاني لأمسح وجهي بين كفي بخمول:
"أتوقظني؟"
شعرت برعشة بسيطة تتملك أطرافي بسبب احتباس الدم في عروقي.
لقد نسيت بالفعل الحلم الذي كنت أتابعه، كل ما أذكره هو رؤية صاحبي الأبيض هذا وصوت بعيد ينادي بكلمات غير مفهومة.
"أم أنني أفكر أكثر من اللازم بنفسي وبك وعن كل شيء؟"
تمتمت مسندة قبضتي لوجنتي.

راقبت بعيون شبه مفتوحة الأوراق المبعثرة أمامي. لم أنهي العمل بعد وإن لم أفعل فسيتكدس أسفل خاصة الغد وذاك سيتجمع لليوم الذي يليه وأنا أكره ذلك بشدة.

"مازلتِ هنا؟"
ظهر ظل يوناس في الباب المفتوح وهو يحمل مجلدات ملفات مألوفة.
"لقد تأخر الوقت كثيراً."
أضاف بشيء من العتاب وأنا وجهت نظري لما خارج النافذة لألمح القمر عالياً في السماء بالفعل.

"لقد غفوت دون أن أشعر لفترة."
أنرت المصباح الأحمر على مكتبي، الرفوف السحرية كانت تلتمع بضوء خافت لتنير الممرات الضيقة بطريقة مبهرة. المكتبة كانت تتلألأ مساءً بغبار النجوم.
"لكن ماذا عنك؟"
سألت بفضول، يوناس دائماً ما يغلق عيادته مع مغيب الشمس. لابد أنه كان يقضي بعض الوقت في المختبر إذاً.

"المعتاد."
أجاب باختصار دون تفصيل.
"امتلكت بعض الوقت لهذا."
أشار بعينيه للدستة التي يحملها فنهضت مسرعة.
"أحضرت ملفات هذا الشهر لي أيضاً بنفسك، هذا لطف منك."
تحدثت وأنا أمد يدي لأستقبل الأوراق من بين ذراعيه لكنه تجنبني.
"فالتأخذي قسطاً من الراحة مينرڤا."
تحدث بنبرة قريبة من التوبيخ وقام بوضع الملفات على المكتب بعيداً عني ثم ضغط بكفه على الدستة ليمنعني من لمسها.
"بإمكانكِ العمل على هذه الأوراق غداً."
أضاف وهو يركز نظارته نصب عينيه.

"أنا أشغل نفسي بالعمل الآن فالخريف على الأبواب وقد أمرض في أي لحظة و...."
بررت على استعجال.
"تغادرينا؟"
قاطعني بتشكيك لأريح يدي بجانبي وأعود لأفترش مقعدي بهدوء.
"كنت سأقول أبقى طريحة الفراش لفترة، تعلم كيف أغدو حين تصيبني الحمى."
اعتذرت لنفسي بأول أمر يؤرقني.

"و؟"
نقر على الملفات بسبابته رأسه يميل يمنة ويسرة وكأنه يدعي الاستفهام فضغطت أناملي في حجري وصارحته بشيء من ما يدور في خاطري:
"رغم الوقت الذي مر على الحادثة مع ريالين إلا أنني لم أتوقف عن التفكير بأنه قد يتم رفدي في أي لحظة. جزء مني ندم على الكلمات التي تفوهت بها آنها لكن الأخر أبى والخضوع لاعتذار عقيم فلا أؤمن بما هو كاذب."

كان هذا ثاني أمر ظل يخوض في ذهني منذ فترة في الواقع.

"مينرڤا هذه القصة القديمة قد تم نسيانها منذ زمن بالفعل."
لوّح يوناس بكفه أمام وجهه ونبرته كانت متعبة وكأنه قد أصابه الملل. في نظره كنت أفكر أكثر من اللازم لكن هو لم يكن هناك ليعلم بالتفصيل، ليلاحظ أن هنالك شيئاً ينغص على ريالين ويقلقها وهو متعلق بي بشكل خاص، بطريقة تجعلها تتخلى عن الود البسيط الذي أظهرته يوماً لي.

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now