-15- أجنحة وريش

331 47 199
                                    

تمتعت حواسي بالنسيم العليل، التحليق في الأعالي بين الغيوم كان منعشاً لبعض الوقت إذ بدا كالحلم، حلم يقظة جميل تحول على مهل لكابوس ما أن غدت الرياح باردة وقارسة تعض بشرتي الحساسة كأنياب حادة وتلسع فيها كالإبر.

عندما شعرت بعظامي تؤلمني أصبح الوجع مبرحاً فما كان مني سوى أن أضغط بشدة على لباس الشاب الذي حملني ليتوقف فجأة في الهواء بين الغيوم التي تخفينا عن سكان الأرض. رفعت رأسي عن صدره وفتحت عيني بتعب ليغرقهما نور الشمس الأحمر الغربي في الأفق.

الشاب نظر في وجهي، حدقتاه تتضيقان من مرآى أن شفاهي المتشققة ترتعش. حلقي الجاف لم يساعدني بالمثل على الكلام، لكنني لم أكن بحاجة للحديث فحين أخذ يهبط على مهل حتى استدركت أنه يفهمني.

حط بخفة كريشة ثم أجلسني لجلمود عشوائي ما أن نفضه من الثلوج بضربة من جناحه الأيمن. أسند ظهري للشجرة التي كانت خلفي مباشرة فتكورت على نفسي وارتعشت برداً لم أشعر به يوماً، حقيقة أن ملابسي خفيفة وأقدامي حافية لم تساعد أيضاً سوى بجعلي أرتعش أكثر.

"يبدو أن جسدكِ ضعيف بشكل عام وليس حساساً للبرد فحسب."
صرّح الشاب أعلى رأسي، كان يتأمل حالي بعيونه الكريسالية اللامعة دون أن يرمش، لم يبدو أن البرد يزعجه بعكسي.

نفخت نفساً دافئاً بصعوبة ضد أناملي ثم فتحت فاهي.
"لم أخرج في مثل درجات الحرارة المنخفضة هذه قبلاً."
نطقت على مهل لأبرر نفسي.

الثلوج البيضاء كانت قد تعلقت أعلى أغصان أشجار المنطقه لفترة طويله على ما يبدو، حتى أنني لمحت مياه الجدول القريب خلف محدثي شبه متجمدة. المنطقة كانت خلابة لكن أيضاً مخيفة وكأنها خالية من الحياة.

انخفض بجذعه أمامي فجأة وحين أحاط ظهري بإحدى كفيه الواسعين اقترب أكثر واستأذن:
"اسمحي لي."
نظرت نحوه بعدم فهم لم يدم طويلاً فما أن دفن الناحية اليمنى من وجهه ضد صدري حتى شهقت بتفاجؤ.

"عفواً!"
خرجت متلعثمة من بين شفاهي فأسدل أهدابه أسفل فكي ونبس بخفوت:
"تنفسي."

ارتباكي جعلني أكتم أنفاسي عكس طلبه للحظات انتهت بتنفيذي لما طلبه على مهل واستحياء شديدين. إنه يحاول فحصي وحسب، لنهدأ.
"ألتمس العذر، أسأت التقدير، كنت أحلق بسرعة وعلو لا تحتملهما رئتاكِ على ما يبدو."
تحدث وهو يبتعد على مهل ليجثو على ركبة واحدة أمامي. يبدو مدركاً أكثر من نفسي عن حالي حتى، وكل ما احتاج لفعله هو الاستماع لأنفاسي في صدري.

شهقت الهواء البارد ثم زفرته دافئاً. حلقي كان يحرقني بالفعل، والمرض سيتمكن مني عاجلاً.

بقي الشاب جاثياً أمامي فغطى جسدي بهيئته وجناحيه اللذان تمددا حولنا. يريد بوضوح تدفئتي لكي لا أصاب بالتهاب في الحلق أو ما هو أسوأ لكنه لا يملك شيئاً ليساعد بحق سوى هذه الريش الرمادية.
"على هذا المنوال الهواء البارد سيجرح حلقكِ مما سيتسبب بتهشيم شعبك الهوائية ولن تكوني قادرة على التنفس بعدها لذا أبطئي من وتيرة تنفسكِ بقدر ما تستطيعين ويفضل أن تستغني عن فاهكِ في الشهيق."
تحدث على مهل بما هو متوقع ألأن خيار العودة غير مطروح أم لأن الطريق أمامنا طويل؟ كل ما أعرفه أن هذا الشخص لا ينوي التخلي عني هنا رغم حالي.

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now