-11- السُخام الأسود

330 51 285
                                    


في اليوم التالي اعتذرت برسالة قصيرة عن العمل في المكتبة وتركت الأمور معلقة دون ذكر الكثير من التفاصيل، أخبرت هايزل في رسالتي بأنني سأسر إن استأنفنا الفرز لاحقاً فقد استمتعت بحق بالدرشة معها. شعرت وكأنني أمتلك شقيقة صغرى فتفهمت حماية مايبل المفرطة لي أكثر، أما شتيفان فلن أخبره بشيء، خروجي سيظل سراً بيني وبين نورمانوس حتى يتم اكتشافه.

جدلت خصلاتي المموجة في ضفيرة فاشلة خلف رأسي كان الهدف منها أن تؤدي غرضها في جمع شعري المبعثر إذ كنت أناظر في الآن ذاته حلتي الغير مألوفة في المرآة.
لم أظن أنني سأرتدي زي العمل الميداني، شعرت بطاقة غريبة وحماس طفولي. خامة المعطف والبنطال الغير قابلة للحرق كانت قاسية وثقيلة لكنها مريحة أما قميصي الأبيض الواسع كان مصنوعاً من حرير فاخر ومطرز بخيوط ذهبية، تماماً كما يرتدي كل أفراد ريغان.

باب الغرفة تعرض لبضعة نقرات قبل أن يُفتح ويدلف منه نورمانوس متحدثاً:
"تناولي شيئاً قبل الـ..."
حين انقطع سيل حججه المتذمرة التي كان يحاول إقناعي بها بالعدول عن رأيي منذ الصباح رفعت رأسي من على كفي الذي كنت أركز عليه قفازاً من الجلد الأبيض ونظرت نحوه لأجده متجمداً، الطريقة التي تهادى نور الصباح الدافئ على ملامحه أنار وجهه عندما راح يحدق بي بعيون شاردة لفترة، فترة طالت كفاية لتجعلني أضحك على ردة فعله العفوية والتي لم يتمكن من إخفائها.
"تبدو مصدوماً."
علقت ببسمة بسيطة فتنحنح أخيراً مستدركاً نفسه وصمته الذي طال.
"اعتدت على رؤيتكِ ترتدين الفساتين على الدوام، هذا كل مافي الأمر."
برر وهو يعقد ذراعيه أمام صدره مستأنفاً تحديقه بطرف عينه.

"هذا متفهم، كنت أتأمل بشكلي منذ فترة بالفعل."
سايرته ثم ركزت بصري على المرآة لمرة أخيرة قبل أن أستدير بجذعي كاملاً نحوه وأعلن:
"لا أحتاج الطعام، لنخرج قبل أن يزدحم القصر بالناس."

سرنا في شوارع المدينة التي أحاطت بالمبنى أسفل الهضبة الواسعة التي تم بناء قصر الظلال أعلاها. لم أستطع استكشاف سوى حديقة القصر المخضرة في الأيام الماضية، وأشجار هذه البلاد عالية بطريقة تحجب المدينة في الأسفل فلم يظهر منها سوى الأبراج العالية. التجول خارج الأسوار جعلني أشعر بحماس أكبر، ورؤية العمران الجديد عن قرب تركني مبهورة كطفلة ترى الدنيا لأول مرة، وهذا حقيقي، كان واقعي.

الأبنية كانت عالية ومصنوعة من حجر أسود مشابه لذلك الذي تم إنشاء القصر الرئيسي القديم منه. لا يتواجد سوى في أراضيهم ويدعى....
"سكابـ.... لا سكالـ..."
تمتمت بالحروف الأولى في محاولة للتذكر بلا فائدة.
لا أذكر الاسم لطوله ربما وربما بسبب الأصوات العالية للناس هنا وهناك.

حدقت بشرود، عيناي تغدوان كسولتين عن النظر حولي فجأة لكن كل ما دار في بالي أن أفكاري مشتتة إذ أني لا أنسى بسهولة.

بـومـة مينـرڤاWhere stories live. Discover now